الجمعة، 24 يونيو 2011





باب ما جاء في الإقسام على الله 

عَنْ جُنْدَب بن عبد الله (، قال : قال رسول الله ( «قَالَ رَجُل: وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ، فقال اللهُ عز وجل: مَنْ ذَا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ. فَإِنّي قَدْ غَفَرْتُ لِهُ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» رواه مسلم
وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد. قال أبو هريرة: تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
[الشرح]
(باب ما جاء في الإقسام على الله) الإقسام على الله يكون على جهتين:
جهة فيها التألي والتكبر والتجبر ورفعة هذا المتألي نفسه حتى يجعل له على الله حق, وهذا مناف لكمال التوحيد، وقد ينافي أصله، وصاحبه متوعد بالعقاب الذي جاء في مثل هذا الحديث، فهذا يتألى فيجعل الله جل وعلا يحكم بما اختاره هو من الحكم، فيقول: والله لا يحصل لفلان كذا. تكبرا واحتقارا للآخرين فيريد أن يجعل حكم الله جل وعلا كحكمه تأليا واستبعادا أن يفعل جل وعلا ما ظنه هو، فهذا التألي و الإستبعاد نوع تحكم في الله جل وعلا وفي فعله، وهذا لايصدر من قلب معظم لله جل وعلا. 
والحال الثانية أن يقسم على الله جل جلاله لا على جهة التألي؛ ولكن على جهة أنه ما ظنه صحيح، في أمر وقع له أو في أمر يواجهه، فهذا يقسم على الله أن يكون كذا في المستقبل على جهة التذلل والخضوع لله لا على جهة التألي، وهذا هو الذي جاء فيه الحديث «ومن عباد الله ومن أقسم على الله لأبرَّه» لأنه أقسم على الله لا على جهة التعاظم والتكبر والتألي؛ ولكن على جهة الحاجه والإفتقار إلى الله، فحين أَقسم أقسم محتاجا لإلى الله وأكد ذلك بالله و أسمائه من جهة طنه الحسن بالله جل وعلا، فهذا جائز ومن عبادالله من أقسم على الله لأبره؛ لأنه قام في قلبه من العبودية لله والذل الخضوع ما جعل الله جل وعلا يجيبه في سؤاله ويعطيه طلِبَتَه ورغبته.
وأما الحال الأولى فهي حال المتكبر المترفِّع الذي يظن أنه بلغ مقاما بحيث يكون فعل الله جل وعلا تبعا لفعله، فتكبر واحتكر غيره.
فبهذا التفصيل يتضح ما جاء في هذا الباب من الحديث.
قال (عَنْ جُنْدَب بن عبد الله (، قال : قال رسول الله ( «قَالَ رَجُل: وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ، فقال اللهُ عز وجل: مَنْ ذَا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ») هذا الذي قال (وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ) كان رجلا صالحا، والآخر كان رجلا فاسقا، فقال هذا الرجل الصالح: (وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ)؛ لأن فلان هذا كان رجلا فاسقا مريدا كثير العصيان، متألي هذا العابد وعظم نفسه وظن أنه بعبادته إلى الله جل وعلا بلغ مقاما يكون متحكما فيه بأفعال الله جل وعلا وألا يرد شيء طلبه ، أو له أن يتحكم في الخلق، وهذا ينافي حقيقة العبودية التي هي التذلل لله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى عاقبه فقال (مَنْ ذَا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيّ) يعني يتعاظم ويتكبر عليّ ويحلف علي فيقسم عليَّ؛ لأن يتألى من الألِيَّة وهي الحلف ومنه قوله تعالى منه قوله تعالى ?لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِم تَرَبُصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُو فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ?[البقرة:226]، والإيلاء من الألية وهي الحلف، فـ(يَتَأَلَّى) يعني يحلف على جهة التكبر والتعاظم، (أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ. فَإِنّي قَدْ غَفَرْتُ لِهُ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) فغُفرللطالح وأُحبط عمل ذلك الرجل العابد.
وهذا يبين لك عِظم شأن مخالفة تعظيم الله جل وعلا، وعِظم مخالفة توحيد الله سبحانه وتعالى، فهذا الرجل الفاسق، هذا الرجل الطالح، الرجل الفاسق أتاه خير من حيث لا يشعر، وقيلت فيه حقه كلمة بحسب الظاهر أنها مؤذية له، أنها فيها من الإحتقار و الإزدراء له ما يجعله في ضَعَة بين الناس، حيث شهد عليه هذا الصالح بقوله (وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ)؛ فكانت هذه الكلمة التي ساءته وكان فيها إيذاء له كانت فيها مصلحة عظيمة له أن غفر له ذنبه.ولهذا نبه الشيخ في مسائل الباب بمسألة معناها أن من الابتلاء و الايذاء وكلام الناس في المكلَّف -في الشخص- ما يكون أعظم أسباب الخير له، (90) ولهذا ليست العبرة باحتقار الناس ولا بكلامهم ولا بإيذائهم ولا بتصنيفهم للناس أو بقولهم هذا فلان كذا وهذا فلان كذا، العبرة بحقيقة الأمر بما عند الله جل جلاله.فالواجب على العباد جميعا أن يعظِّموا الله وأن يخبتوا إليه و أن يظنوا أنهم أسوء الخلق، حتى يقوم في قلوبهم أنهم أعظم حاجة لله جل وعلا وأنهم لم يوفوا الله حقه.أما التعاظم بالنفس والتعاظم بالكلام والمدح والثناء ونحو ذلك فليس من صنيع المجلين لله جل وعلا الخائفين من تقلب القلوب، فالله جل وعلا يقلب القلوب ويصرِّفها كيف يشاء، فالقلب المخبت المنيب يحذر ويخاف دائما أن يتقلب قلبُه، فينتبه للفظه، وينتبه لحظه، وينتبه لسمعه، وينتبه لحركاته لعل الله جل وعلا ان يميته غير مفتون ولا مخزي. نعم
كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد (3)
الذي هو حق الله على العبيد 
للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
حفظه الله تعالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.