الأربعاء، 15 يونيو 2011








لامعبود بحق إلا الله






قال الله سبحانه و تعالى

﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33}﴾. [ التوبة].
وقال الله عزَّ وجل: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {9}﴾ [الصف].

لمســات فـي الإعجـاز البيـانـي

استخدام الفعل (يطفئ) دون الفعل (يخمد).
قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾.
الإطفاء هو الإخماد، وكلاهما يستعملان في النار، وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور.
ولكن العرب تفرق بين الإطفاء والإخماد بأن:
الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل.[2].
ومنه فإنَّ الكفار يريدون إبطال ما استطاعوا من الحق الذي جاء به نبي الرحمة قليلاً كان أم كثير، بغض النظر عن كمية الحقائق التي يحاولون طمسها، وهذا يدل على رضاهم بالقليل لما تحمل قلوبهم من غيظٍ وحقدٍ وغلّ.
الفرق بين " أن يطفئوا " و " ليطفئوا ".
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ ﴾.
يقصد الكفار إطفاء نور الله تعالى مباشرة، وإرادتهم متوجهة إلى الغاية (الهدف) بشكل مباشر، بعد إعداد الوسائل واتباع الطرق التي من خلالها يمكن الوصول إلى غايتهم بحسب تصورهم، فطلبهم هنا الغاية.
أما في قول الله عزَّ وجل: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا ﴾.
يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إطفاء نور الله، فهم يريدون إعداد الوسائل التمهيدية والطرق المناسبة التي تضمن الوصول لغايتهم، والمعنى هنا طلب الوسيلة. [3].
استخدام كلمة الكافرون دون المشركون
قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.
إن: أصل الكفر في كلام العرب: الستر والتغطية، ومنه قول الله تعالى: ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ﴾ [الحديد {20}]. {الكافر: الزارع الذي يغطي الحب بالتراب ليستره}.
فالكفار يخفون الشيء بعد معرفتهم به، وهذا مَثَلُ (أهل الكتاب) الذين أخفوا الكتاب وكتموا الحق بعد إذ جاءهم فهم يعرفون رسول الله كما يعرفون أبنائهم.
أما الشرك فهو من المشاركة: وقيل هو أن يوجد شيء لاثنين أو أكثر، وشرك الإنسان في الدين: إثباته شريك لله تعالى. وفرق الفقهاء بين الشرك والكفر، فالشرك يكون من الناس الذين جعلوا لله أنداداً، دون أن يكون لهم كتاب، أما الكفر فيكون من أهل الكتاب،
معتمدين بذلك على قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {105}﴾ [البقرة]. حيث نجد في الآية الكريمة السابقة إفراد المشركين عن أهل الكتاب، فالمشركون (الوثنيون) لم يكونوا يعلموا بظهور نبي الإسلام، وكانوا يحاربوه لأنه صغرَّ آلهتهم وجاء بأمرٍ معارضٍ لمصالحهم، فكانوا السند والعون لأهل الكتاب في حربهم على الإسلام لأن غايتهم واحدة، بالرغم من اختلاف سبب الحقد والعداء. [4].



الإعجــاز الغيبـــي
استخدام صيغة المضارع

ورد في الآية الكريمة أربعة أفعال كلها بصيغة المضارع، وهي على الترتيب: (يريدون)، (يطفئوا)، (يأبى)، (يتم). والفعل بصيغة المضارع يدل على الحال والاستقبال (الاستمرار).
استخدام الحرف " أن" بعد الفعل " يريد ".
بعض الأفعال في اللغة العربية لا يجوز أن تقع في زمن الماضي، لأنها تفيد الاستقبال، مثل فعلي " أمرت " و" أردت ". فلا يجوز أن تقول: أمرتك أن قمت، ولا أردت أن قمت.
واعتمد العلماء على هذا القول من استخدام الحرف "أن" التي يمكن أن تكون مع الماضي في غير "أردت" و "أمرت"، وذكروا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال.
ومنه عندما يأتي الحرف "أن" بعد الفعل " يريد " فإن الاستقبال يكون من وجهتين:
الأولى: من الفعل نفسه لأنه بزمن المضارع.
والثاني: في دخول الحرف "أن" الذي يفيد مع الفعل "يريد" زمن المستقبل.
"ويأبى الله إلا أن يتم نوره".
الإباء: شدة الامتناع، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء.
ولكن كيف دخلت "إلا" والكلام ليس فيه حرف نفي؟ مع العلم أن العرب لا تقول "ضربت إلا زيداً ". والجواب أن العرب تحذف حرف النفي مع الفعل " أبى ". والتقدير: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره، وقد تمَّ وانتشر وظهر في كل أصقاع المعمورة ولله الحمد، وهذا مصداق قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33}﴾.[التوبة].{5}.



الخلاصـــــــة:

يريد الكفار أن يطفئوا نور الله بأفواههم: وهنا لا يقتصر القول فقط على الحملات التي شنها الكفار الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا ما شهدوا من المعجزات التي لا تقبل الشك أبداً بأنه نبي مرسل، بل تتعدى ذلك الزمن إلى يومنا هذا ليقوم أعداء الدين بمحاربته وتشويه سمعته والنيل من أحكامه عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات والندوات، وستستمر إلى يوم القيامة، وهنا يكمن إعجاز القرآن الكريم الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أخبرنا عن أمور غيبية نشهدها اليوم بعد مرور أربعة عشر قرناً من البعثة، وذلك من خلال استخدام صيغة الفعل بالمضارع ليدل على الحال (زمن النبوة)، والاستقبال (الاستمرار) إلى عصرنا الحالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.