الاثنين، 20 يونيو 2011




تأملات في آيات .. إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ


تعليقـــاً عـــلى قولـــه تعـــالى في ســـورة النســـاء:  { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء : 108]

هذه الآية فيها ذمّ لهؤلاء الموصوفين بوجهين:

  • من جهة فعل الذنب
  • ومن جهة الإصرار على الذنب
  • وثَمَّ وجه ثالث: أن الله ذمّهم على المكر، لأن الله تعالى وصفهم أنهم يبيتون ما لا يرضى من القول، والتبييت هو التدبير ليلاً على وجه الخديعة للحق وأهله .

بمعنى أنهم يريدون أنهم سيخادعون أهل الإيمان بكلامهم وسيخادعونهم بما يبغضه الله ولا يرضاه من الأقوال المحرمة ومن الإصرار عليها .

قولهم: إثم وظلم  وبياتهم على ذلك وإصرارهم عليه: إثم آخر

 فعلى العبد الآن أن يلاحظ ما يُبيّت من نيات،  وعليه التوبة إلى الله من فعل الذنوب والإصرار عليها. ولا بد أن نعلم أنه كما أن فعل الذنب معصية، فالاستمرار عليه ونية فعله متى سنحت معصية أخرى، إذن العبد لا بد أن يتوب من فعل الذنوب ولا بد أن يتوب من الإصرار على الذنب. أيضًا على العبد أن يبيت ما يرضى الله من الأقوال والأفعال، فيفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل الخير الذي لم يحضر وقته والذي لم يقدر عليه الآن ويتأمل أن يوفقه الله إليه. يتأمل مثلا أن يأتي شهر رمضان وهو في أحسن حال يستطيع فيها أن يقوم وأن يتعبد الله كما ينبغي ، العناية بمثل هذا كله من تمام تبييت ما يرضي الله عزّ وجلّ. 

خرجنا بنتيجتين:

  1. على العبد أن يبيت ما يُرضي الله من الأقوال والأفعال، فيفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل الخير الذي لم يحضر وقته والذي لم يقدر عليه الآن.
  2. على العبد أن يتوب من فعل الذنب ومن الإصرار عليه.

وصورة الإصرار على الذنب: أنه إذا فعل معصية استمر عليها، أو لا يستمر لكن ينتظر، يكون عنده نية فعلها، متى سنحت الفرصة فعلها . إذا تاب وبيت ما يُرضي الله عزّ وجلّ من الأقوال والأفعال استحق العبد أن يكون ممن اتبع رضوان الله فيدخل في هذه المعاملة المذكورة في قوله تعالى: { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ } [آل عمران : 162]  وتحصل له الهداية في أموره كلها، يقول تعالى { يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة : 16]

معنى هذا أن الهمَّ الذي يَهُمُّ الإنسان ويفكر فيه ويعتني به قد يكون سببًا لزيادة هدايته، وهذا من لطف الله بعباده وفضله عليهم، فهو سبحانه وتعالى جعل تبييت ما يرضى من القول قربة إليه، كما أن تبييت ما لا يرضى من القول ذنب يرتكبه العبد. على هذا العبد يعلم أن همومه التي يحملها والأمر الذي يبات يدكّ فيه كما ورد في الحديث الذي في غزوة خيبر لما قال النبي صلى الله عليه وسلم((لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها)) [1]

فهذا وصف العباد الكُمّل أنهم يتباحثون ويتساءلون ويهتمون بما يزيد إيمانهم

ونحن ذكرنا سابقًا في فوائد هذا الحديث:

أن من فضل الله على المؤمنين أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، كان ذلك سببًا لزيادة إيمانهم في هذه الليلة، لأنهم بقوا مُهتمّون مُعتنون أن يرضى عليهم الله.

ومن بات مهتمًا معتنيًا أن يكون في موطن يحبه الله ليس كمن بات مهتمًا بأمر الدنيا جاريًا وراءها طالبًا لرضاها خاطبًا لودّها! الفرق عظيم ! من أجل هذا كان هذا التبييت زيادةً لإيمانهم ورفعًا لمكانتهم حتى لو لم يكونوا هم المرادون. فلما كان حبُّ الله أكبرَ همومهم وأشرفَ آمالهم؛ كانوا على بينة من ربهم ، كانوا على بينة في حبّهم، وفي معرفتهم أن الله يحبّ من طلب رضاه .

على كل حال المقصود أن العباد لا بد لهم من مراجعة همومهم ومعرفة أن تخطيطهم وتدبيرهم وتفكيرهم كله مؤثر على قلوبهم، إما مورثهم لزيادة إيمان، أو - نسأل الله السلامة كما في آية النساء - يورثهم عدم رضى عن الله.

محصلة ما مضى :

أن يعلم العباد أن نظر الربِّ سبحانه وتعالى إلى قلوبهم؛  فليملؤوها صدقًا وإرادةً للحق، فما تمكن العبد من عمله فهو فضل من الله أورثه الله إياه بصدق نيته، وما بيّت من قول طيب صادق لكن لم يقع له فليعلم أن أجره وقع له. فليغتنم العبد أنفاسه في أن يعمل ما يُرضي الله وفي أن يبقى عقله يجول في ما يرضيه عنه.


الآن نحن بين عمل جارحي وبين قلب يجول في أماني .. فمن أراد الله به خيرًا كانت أمانيه نافعةً له، فما يتمنى إلا أن يترقى من حال إلى حال في رضا ربٍّ شكور.

ونزيد على الأمر التذكير:

أننا نعامل من يعلم خطرات القلوب ووارداتها ، ونعامل من هو غفور شكور ، يشكر للعباد حركات قلوبهم – الحركة البسيطة-  فكيف بتبييتهم ما يرضى من القول؟! فكيف باستحواذ همِّ رضاه على القلوب؟!

أن يبقى العبد طاردًا لكل هم إلا أن يهتم بأن يستعد للقاء الله .. كم من عبد استعد لهمّ اللقاء؟!

التفرغ من أمر الدنيا دفعة واحدة أمرٌ كأنه مستحيل ، لكن نتلمس  من كتاب الله ما يورثنا التذكير،

نحن نقابل بين آية { إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } التي في وصف المنافقين وبين وصف الصحابة في الحديث ((فباتوا يدوكون ليلتهم)) .. فإذا أردت أن تفرِّغ نفسك فابدأ بملاحظة همومك التي تبات مشتغلاً بها.

أسأل الله أن يجعلَ أكبر همِّنا هو رضاه
وأن يطردَ من قلوبنا محبة الدنيا
وأن يعلقنا بكل فعل يرضيه عنا
اللهم آمين ...
أناهيد السميري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.