الخميس، 30 يونيو 2011



السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 7 ق




المنظومـــة المختــارة

===============
§ لمـا كـان لهـذا العلـم ـ القواعـد الفقهيـة ـ أهميـة عظمـى ، وفائـدة جُلَّـى ، أخـذ العلمـاء فـي التأليـف فيـه والتصنيـف ، فمنهـم مـن أطنـب وأسـهب ، ومنهـم مـن اختصـر وهـذَّب ، ومنهـم مـن كـان تأليفـه نظمـًا .
· المنظومــات فـي القواعـد الفقهيــة :
-------------------------
لقـد نظـم بعـض العلمـاء ، جملـة مـن القواعـد الفقهيـة ، وصاغوهـا فـي قالـبٍ شِـعريٍّ ، رغبـةً فـي تسـهيل حفظِهـا وتيسـير دراسـتها ، وذلـك لأن الأسـلوب الشـعري أسـرعُ عُلوقًـا بالذهـن ، وأطـولُ بقـاءً فـي الذاكـرة ، وذلـك بسـبب الـوزن والقافيـة ، والإيجـاز الـذي تتصـف بـه هـذه المنظومـات .
ومـن آثـار الالتـزام بالـوزن والقافيـة : أن قواعـد العلـوم لا تُذكـر فـي المنظومـات غالبًـا بصيغهـا المعهـودة ، والمتداولـة بيـن أهــلِ الاختصـاص ، وهـي صيـغ دقيقــة ، وعبـارات مُحْكمـة فـي الغالـب . [ ومـن آثـار هـذا أيضًـا عـدم الالتـزام أحيانًـا بقواعــد اللغـة العربيـة ، وذلـك لضبـط الـوزن ، وهـذا متعـارف عليـه بيـن الناظميـن ومعفـو عنـه ، ولكـن ينبـه عليـه ] . [ تصرف ] .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وتتابعـت المصنفـات جيـلاً بعـد جيـل ، ورعيـلاً بعـد رعيـل .
وكـان آخـر مـا أُلِّـف فـي ذلـك : " منظومـة القواعـد الفقهيـة " للشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي ـرحمه الله ـ . ضمَّنهـا طائفـة مـن مختاراتـه فـي القواعـد والضوابـط . وقـد احتـوت علـى أمهـات قواعـد الديـن ، وهـي وإن كانـت قليلـة الألفـاظ ، فهـي كثيـرة المعانـي لمـن تأملهـا ، ومـن ثَـمَّ كانـت عنايـة المتأخريـن بهـذا النظـم دراسـة وحفظـًا وتفهُّمـًا وضبطـًا .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 9 / بتصرف .
· التعريــف بالنظــم المختــار :
---------------------
هـي منظومـة موجـزة تتكـون مـن 47 بيتًـا علـى بحـر الرَّجَـزِ ، ولـم يقصـد الناظـم فيهـا التوسـع
والتفصيـل ، وإنمـا أراد الإيجـاز والتسـهيل لتكـون مقدمـة لهـذا العلـم ، وسـلمًا يرتقـي بـه الطالـبُ إلـى مـا فوقـه مـن المتـون المتوسـطة والمطولـة ، ومِفتاحًـا يفتـح بـه بعـض خزائـن هـذا العلـم .
والمنظومـة تمثـلُ جملـةً مـن اختبـارات الناظـم ، ومعلوماتـه ، التـي لا ترتبـط بكتـات معيـنٍ ، فهـو لـم يحـاول نظـم متـن مخصـوصٍ .
وقـد ذكـر فيهـا جملـة مـن القواعـد الفقهيـة ـ وهـي غالـب المنظومـة ـ وبعـض الضوابـط الفقهيـة ، كقولهـم ( يجـب الضمـان مـع الإتـلاف ) ، وبعـض القواعـد الأصوليـة مثـل :
( الحكـم يـدور مـع علتـه وجـودًا وعدمًـا ) ، وبعـض المسـائل الفقهيـة وهـي قليلـة سـنشـير إليهـا فـي موضعهـا .
وقـد أطـال رحمـه الله فـي المقدمـة قليـلاً ، فإنهـا مكونـةٌ مـن عشـرة أبيـات فـي فضـل العلـم النافـع وضابطـه وأهميـة القواعـد وثمراتهـا ، وهـذه العشـرة تُعـدُّ طويلـةً إذا نظرنـا إلـى عـدد أبيـات المنظومـة ، وإذا أخرجنـا الخاتمـة ـ وهـي بيتـان ـ فالباقـي ( 35 ) بيتًـا فـي القواعـد . وضيـق المجـال فـي الشـعر أوقعـه فـي بعـض التسـاهلات اللغويـة .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
لمـا سـبق سـنعرض النظـم المختـار ، ثـم التعريـف بالناظـم .
ثـم نشـرع فـي شـرح وتوضيـح قواعـد النظـم .
* * * * *
منظومــة
القواعـــد الفقهيــة
للشـيخ عبـد الرحمـن بـن نَاصِـر السـعدي
==========================
1 ـ الحمـــدُ للهِ العلـيّ الأَرفــقِِ وجامــعِ الأشــياءِ والمفـــرِّقِِ
2 ـ ذي النِّعَـمِ الواسـعةِ الغزيــرةْ والحِكَــمِ الباهــرةِ الكثيــــرةْ
3 ـ ثـم الصـلاةُ مَـعْ سـلامٍ دائـمِ علـى الرسـولِ القُرَشِـيِّ الخَاتِــمِ
4 ـ وآلهِ وصحبـــهِ الأبــــرارِ الحَائِــزِي مراتـــبَ الفَخـــارِ
5 ـ اعلَـم ـ هُدِيـتَ ـ أَنَّ أفضـلَ المِنَـنْ عِلـمٌ يُزيـلُ الشَّــكَ عَنْـكَ والــدَّرنْ
6 ـ وَيكْشِـفُ الحــقَّ لـذي القلــوبِ وَيُوصِــلُ العَبْــدَ إلـى المَطْلــوبِ
7 ـ فَاحْـرِصْ عَلـى فَهمـِـكَ للقواعِــدِ جَامِعـــةِ المســـائلِ الشـــوارِدِ
8 ـ فَتَرْتَقـي فـي العِلْـمِ خَيـرَ مُرْتَقَـى وَتَقْتَفِــي سُـبْلَ الـذي قَــدْ وُفِّقــا
9 ـ هَـــذِهِ قَوَاعـِــدٌ نَظَمْتُهــــا مِـن كُتْـبِ أهـلِ العِلْـمِ قـدْ حصَّلتُهـا
10 ـ جَزاهُـم المَوْلـى عَظِيـمَ الأَجْـــرِ والعَفــوَ مَــعْ غُفْرانِــه والبِـــرِّ
11 ـ النيـّـةُ شَــرْطٌ لِسَــائرِ العَمَــلْ بِهــا الصَــلاَحُ والفَســادُ للِعَمَــلْ
12 ـ الدِّيــنُ مَبْنــيٌّ علـى المَصَالـِـحِ فـي جَلْبِهَـــا والــدَّرْءِ للقَبَائِــحِ
13 ـ فَـإِنْ تَزَاحَــمْ عَــدَدُ المَصَالِــحِ يُقـــدَّمُ الأَعلــى مِـنَ المَصَالِــحِ
14 ـ وَضِـــدُّهُ تَزَاحُـــمُ المَفَاسِـــدِ يُرتَكَــبُ الأَدْنَــى مِــنَ المَفَاسِــدِ
15 ـ وَمِـنْ قَوَاعِـدِ الشَّـرِيعَةِ التَّيْسِــيرُ فــي كُــلِّ أَمــرٍ نَابَــهُ تَعْسِــيرُ
16 ـ وَلَيْـسَ وَاجِــبٌ بِــلاَ اقْتِـــدَارِ وَلاَ مُحَــــرَّمٌ مَـــعَ اضْطِــــرارِ
17ـ وَكُـلُّ مَحْظُــورٍ مَـعَ الضَّــرُورَةْ بِقَـــدْرِ مـا تَحْتَاجُـــهُ الضَّــرُورَةْ
18ـ وَتَرْجِـــعُ الأَحْكَـــامُ لليَقِيــنِ فَــلاَ يُزِيـــلُ الشَّـــكُّ لليَقِيِـــنِ
19 ـ والأَصْـلُ فِـي مِيَاهِنَـا الطَّهَــارَةُ والأَرْضِ والثِّيَــــابِ والحجــــارةِ
20ـ والأَصْـلُ فِـي الأَبْضَـاعِ واللحــومِ والنَّفْـــسِ والأمـــوالِ للمَعْصُــومِ
21 ـ تَحْريمُهــا حَتـى يَجِـيءَ الحِــلُّ فَافْهَـــمْ هَـــدَاكَ اللهُ مـا يُمَّـــلُّ
22ـ والأَصْـلُ فـي عَادَاتِنَـا الإِباحَــةْ حَتــى يَجِـيءَ صَــارِفُ الإِباحَـــةْ
23ـ وَلَيْــسَ مَشْـرُوعًا مِـنَ الأُمـورْ غَيــرُ الــذي فِـي شَـرْعِنَا مَذْكُــورْ
24 ـ وَسَــائِلُ الأُمــورِ كَالمَقَاصِــدِ وَاحْكُــم بِهــذا الحُكْــمِ للزَّوَائِـــدِ
25 ـ والخَطَـأ والإِكْــرَاهُ والنِّســيانُ أَسـْــقَطَهُ مَعْبُودُنـــا الرَّحمــــنُ
26ـ لَكِـنْ مَـعَ الإِتْـلاَفِ يَثْبُـتُ البَـدَلْ وَيَنْتَفِــي التَأثِيــمُ عَنْــهُ وَالزَّلَـــل
27 ـ وَمِـنْ مَسَـائِلِ الأَحْكَـامِ فـي التَّبَـعْ يَثْبـُــتُ لاَ إِذَا اسْـــتَقَلَّ فَوَقـَــعْ
28 ـ والعُــرْفُ مَعْمُــولٌ بِــهِ إِذَا وَرَدْ حُكْـمٌ مِـنَ الشَّـرعِ الشَّـريِِفِ لَـمْ يُحَـدْ
29 ـ مُعَاجِــلُ الْمَحْظُــورِ قُبـْـلَ آنِــهِ قَـدْ بَــاءَ بِالخُسْــرَانِ مَـعْ حِرْمَانِــهِ
30 ـ وَإِنْ أَتـى التَّحْرِيـمُ فِـي نَفْـسِ العَمَـلْ أَو شــرطِهِ ، فَـذُو فَسَــادٍ وخَلَـــلْ
31 ـ وَمُتْلــفُ مُؤْذِيــهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ بَعْــدَ الدِّفــاعِ بِالتـي هِـيَ أَحْسَــنُ
32 ـ " وأَل " تًُفِيــدُ الكُـلَّ فِـي العُمُــومِ فِــي الجَّمْــعِ والإِفْـــرَادِ كَالعَلِيــمِ
33 ـ والنَّكِــراتُ فِـي سِــيَاقِ النَّفْــي تُعْطِــي العُمُــومَ أَوْ سِــياقِِ النَّهْــي
34 ـ كَـذَاكَ " مَنْ " و " مَا " تُفِيـدَانِ مَعَـا كُــلَّ العُمُـــومِ يَـا أُخَــيَّ فاسْــمَعَا
35 ـ وَمِثْلُـــهُ المُفْـــرَدُ إِذْ يُضــافُ فَافهــم هُدِِيـتَ الرُّشــدَ مَـا يُضَــافُ
36 ـ ولاَ يَتِــمُّ الحُكْــمُ حَتَّـى تَجْتَمِــعْ كُــلُّ الشُّــرُوطِ والمَوَانِــعْ تَرْتَفِـــعْ
37 ـ ومَـنْ أَتـى بِمـا عَلَيْـهِ مِـِنْ عَمَـلْ قَــدِ اســتَحَقَ مَالَـهُ عَلـى العَمَـــلْ
38 ـ وَكُـلُّ حُكْــمٍ دَائِــرٌ مـعْ عِلَّتِــهْ وَهِـيَ التـي قَــدْ أَوْجَبَــتْ لِشِـرْعَتِهْ
39 ـ وَكُــلُّ شَـــرْطٍ لاَزمٌ لِلعَاقِــــدِ فـي البَيْـــعِ وَالنِّكــاحِ والمَقَاصِــدِ
40 ـ إِلاَّ شُـــرُوطًا حَلَّلَـــت مُحرَّمــًا أو عَكْسَـــهُ فَبَاطِـــلاَتٌ فَاْعلَمَـــا
41 ـ تُسْــتَعْمَلُ القُرْعَــةُ عِنْـدَ المُبهَــمِ مِـنَ الحُقُــوقِ أَو لَــدَى التَّزاحُـــمِ
42 ـ وإِنْ تَسَــاوى العَمَــلانِ اجْتَمَعَـــا وَفُعــــلَ أَحَدُهمَــــا فَاسْـــتَمِعَا
43 ـ وَكُــلُّ مَشْــغُولٍ فَــلاَ يُشَـــغَّلُ مِثَالُــــهُ المَرْهُـــونُ والمُسَـــبّلُ
44 ـ وَمَـنْ يُــؤَدِّ عَـنْ أَخِيــهِ وَاجِبـًا لَــهُ الرُّجُــوعُ إِنْ نَــوَى يُطالِبَــا
45 ـ والــوَازِعُ الطَّبْعِـي عَـنِ العِصْيَـانِ كَالــوَازِعِ الشَّــرْعِي بِــلاَ نُكْــرَانِ
46 ـ وَالحَمّـــدُ للهِ عَلَــى التَّمـــامِ فِـي البِـــدْءِ وَالخِتَــامِ والـــدَّوامِ
47 ـ ثُـمَّ الصَّــلاةُ مَـعْ سَـلاَمٍ شَـائِعِ عَلَـى النَّبـــيِّ وَصَحْبِــهِ وَالَّتابِــعِ
* * * * *
التعريــف بالناظــم
=============
هـو الشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر بـن عبـد الله بـن ناصـر بـن حمـد آل سـعدي ؛ المكنـى بأبـي عبـد الله .
ولـد فـي بلـدة عُنَيـزة فـي القصيـم بالمملكـة العربيـة السـعودية ، فـي الثانـي عشـر مـن المحـرم سـنة سـبع وثلاثمائـة وألـف ( 1307 ) مـن الهجـرة النبويـة .
وقـد توفيـت أمـه ولـه أربـع سـنوات ، وتوفـي أبـوه ولـه سـبع سـنين ، فعـاش يتيـم الأبويـن ، ولكنـه نشـأ نشـأة حسـنة ، وكان قـد اسـترعى الأنظـار منـذ حدائـة سِـنه بذكائـه ورغبتـه الشـديدة في العلـوم .
عنـي " أبـوه " بتربيتـه تربيـة صالحـة ، ولمـا عالجتـه المنيـة فـي سـن مبكـر مـن حيـاة الابـن ، كفلتـه " زوجـة أبيـه " وآثرتـه بالعنايـة والرعايـة والمحبـة أكثـر مـن أبنائهـا . ولمـا شـب صـار فـي بيـت أخيـه الأكبـر " حمـد بـن ناصـر " الـذي أوصـاه أبـوه بـه .
وكـان " حمـد " رجـلاً صالحـًا ومـن حملـة القـرآن ، فنشـأ " عبـد الرحمـن " نشـأة صالحـة كريمـة .
وقـد قـرأ القـرآن بعـد وفـاة والـده ثم حفظـه عن ظهـر قلـب ، وأتقنـه وعمـره أحـد عشـر سـنة .
وقـد أخـذ العلــم عـن شـيوخ كثيريـن مـن أجـلاء علمـاء نجـد ، أكثرهـم مـن " عُنيـزة " و " بُريـدة " ،
فاجتهـد وجَـدَّ حتـى نـال الحـظ الأوفـر مـن كـل فـن مـن فنـون العلـم ، ولمـا بلـغ مـن العمـر ثلاثًـا وعشـرين سـنة جلـس للتدريـس فكـان يتعلـم ويعلِّـم ، ويقضـي جميـع أوقاتـه فـي ذلـك ، حتـى أنـه فـي عـام ألـف وثلاثمائـة وخمسـين صـار التدريـس ببلـده راجعًـا إليـه ومعـول جميـع الطلبـة فـي التعليـم عليـه .
ومـن مشـايخه الشـيخ محمـد الشـنقيطي ... .
وكـان أعظـم اشـتغاله وانتفاعـه بكتـب شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة وتلميـذه ابـن القيـم .
كمـا خلـف ـ رحمه الله ـ تلاميـذ نجبـاء ، أشـهرهم العلامـة " محمـد بن صالـح العثيميـن " ـ رحمه الله ـ .
وفضيلـة الشـيخ العلامـة " عبـد الله بـن عبـد الرحمـن آل بسـام " ـ حفظه الله ـ .
* عقيـــدة الشـيخ عبـد الرحمـن السـعدي ـ رحمه الله ـ هـي عقيـدة السـلف الصالـح .
* فقهـــه ـ رحمه الله ـ : فقـد كـان فـي بدايـة الطلـب متمسـكًا بمذهـب الإمـام أحمـد تبعـًا لمشـايخه ،
ثـم مـال إلـى الترجيـح (1) وتـرك التقليـد .
اللآلئ والدرر السَّعديَّة / ص : 9 / بتصرف .
o لطيفـــة :
ـ وضـع الشـيخ السـعدي ـ رحمه الله تعالى ـ علـى نظمـه شـرحًا لطيفـًا ، فـرغ منـه فـي الثامـن عشـر مـن ذي القَعْـدة سـنة إحـدى وثلاثيـن وثلاثمائـة وألـف ( 1331 ) ، وعمـره حينئـذ لم يتجـاوز الرابعـة والعشـرين .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 27 .
* ســمته : عُـرف ـ رحمه الله ـ بحسـن الخلـق ، وطِيـب الكـلام ، وبـذل النصيحـة ، والتواضـع الجـم ، والسـعي فـي مصالـح الخلـق ، مـع حسـن الديانـة ، والزهـد والتعفـف ، والشـفقة علـى المسـاكين ، لـذا اجتمعـت النفـوس علـى محبتـه .
مقدمة المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / السعدي / ص : 9 .
وكـان ذا بسـمة دائمـة ، كثيـر البكـاء والصـلاة والصيـام .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 17 .
* مرضــه ووفاتــه :
قبـل وفاتـه بخمـس سـنوات أصيـب ـ رحمه الله ـ بضغـط الـدم وتصلـب الشـرايين ، وكـان يعـاوده مـرة بعـد أخـرى وهـو صابـر عليـه ولـم يمنعـه ذلـك مـن مواصلـة نشـاطه فـي التعليـم والإمامـة والخطابـة والتأليـف ، وقـد اهتـم أولـو الأمـر بالمملكـة بعلاجـه ، وأذنـوا بسـفره إلـى خـارج البـلاد للعـلاج ، وفـي آخـر أيامـه ـرحمه الله ـ أصيـب بنزيـف فـي المـخ فأرسَـلَ الملـك فيصـل ـ حيـث كـان وليـًّا للعهـد ـ طائـرة خاصـة فيهـا أطبـاء مَهَـرَة ، فسـبقها الأجـل المحتـوم حيـث تلقـى طاقـم الطائـرة نبـأ وفاتـه وهـم فـي الجـو ، وذلـك فـي فجـر يـوم الخميـس الثالـث والعشـرين مـن جمـادى الآخـرة عـام سـتة وسـبعين وثلاثمائـة وألـف عـن تسـع وسـتين سـنة .
أجــزل الله لـه المثوبـة ، ورحمـه الله رحمـة واسـعة ، وقـد رثـاه غيــر واحـد مـن الفضـلاء بقصائـد مبكيـة . وبموتـه فقـد العالـم الإسـلامي عالمًـا كبيـرًا ومربيًـا فاضـلاً .
اللآلئ والدرر السَّعديَّة / ص : 9 / بتصرف .
* * * * *
--------------------------

( 1 ) إلى الترجيح : أي إلى دراسة الأدلة والترجيح بينها .

*******

السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 6 ق



المبحـــث الســـابع
القواعـــد الفقهيـــة
==============
· أهميــة القواعــد الفقهيـــة :
---------------------
قـال الشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي فـي نظمـه .
اعلـم هُديـت أن أفضـل المِنـن
علـم يزيـل الشـك عنـك والـدَّرَن
ويكشـف الحـقَّ لـذي القلـوب
ويوصِـلُ العبـدَ إلـى المطلــوب
فاحـرص علـى فهمـك للقواعـد
جامعــة المســائل الشــوارد
فترتقـي فـي العلـم خيـرَ مرتقـى
وتقتفـي سُـبْلَ الـذي قـد وفقـا
فقـد حـض الشـيخ علـى الحـرص علـى فهـم ومعرفـة القواعـد الكليـة للعلـوم ، فمعرفـة القواعـد الكليـة أهـم مـن معرفـة المسـائل ، فعـن طريـق القواعـد الكليـة ، يمكـن حـل المسـائل المختلفـة . فالقواعـد الفقهيـة أهـم مـن دراسـة الفقـه بدايـةً ، فَمَـنْ أراد دراسـة الفقـه وفهمـه علـى أسـس صحيحـة فعليـة بدراسـة وفهـم القواعـد الكليـة أولاً ، حتـى يسـتطيع فهـم الفقـه ومسـائله المتفرقـة فترتقـي فـي العلـم ، فالعلـم يرفـع صاحبـه . قـال تعالـى :
{ ... يَرْفَـعِ اللهُ الَّذِيـنَ آمَنُـوا مِنكُـمْ وَالَّذِيـنَ أُوتُـوا الْعِلْـمَ دَرَجَـاتٍ ... }.سورة المجادلة / آية : 11 .
والجهـل يهبـط بصاحبـه . فكلمـا ازداد الإنسـان مـن العلـم النافـع ، حصـل لـه كمـال اليقيـن ، وكمـال الإرادة ، ولا تتـم سـعادة العبـد إلا باجتمـاع هذيـن الأمريـن .
وإذا كـان العلــم بهـذه المثابـة ، فينبغـي للمسـلم أن يحـرص كـل الحـرص ويجتهـد كـل الاجتهـاد فـي
تحصيلـه ، وأن يديـم الاسـتعانة بالله فـي تحصيلــه ، ويبـدأ بالأهــم فالمهـم . ومـن أهمـه معرفــة
أصولـه ، وقواعـده التـي ترجـع مسـائله إليهـا .
ومـن هـذه الأصـول ؛ العلـم " بالقواعـد الفقهيـة " . وهـذا العلـم لا يسـتغني عنه كـل مجتهـد فقيـه ، وقـد أشـاد كثيـر مـن العلمـاء بشـأن هـذا العلـم ، وبَيَّنـوا حاجـة الفقيـه الماسـة إلى الإلمام به وتعلمـه .
شرح منظومة القواعد الفقهية .
* قـال الحافـظ ابـن رجـب ـ رحمه الله ـ :
" فهـذه قواعـد مهمـة ، وفوائـد جَمَّــة ، تضبـط للفقيـه أصـول المذهـب ، وتُطْلِعـه مـن مآخـذ الفقـه علـى مـا كـان عنـه تَغَيَّـب ، وتُنَظـم لـه منثـور المسـائل فـي مسـلك واحـد ، وتُقيـد لـه الشـوارد ، وتُقَـرِّب عليـه كـل متباعـد " . ا . هـ .
وتتلخـص أهميـة القواعـد الفقهيـة فـي :
أولاً : أن القواعـد الفقهيـة تضبـط الأمـور المنتشـرة المتعـددة ، وتنظمهـا فـي سـلك واحـد ممـا يُمكِّـن مـن إدراك الروابـط والصفـات الجامعـة بيـن الجزئيـات المتفرقـة .
ثانيـًـا : أن ضبطهـا يُيَسِّـر علـى الفقيـه ضبـط الفقـه بأحكامـه ، ويغنيـه عـن حفـظ أكثـر الجزئيـات . لـذا قـال القرافـي ـ رحمه الله ـ :
" مـن ضبـط الفقـه بقواعـده ، اسـتغنى عـن حفـظ أكثـر الجزئيـات ؛ لاندراجهـا فـي الكُليـات " .
ثالثــًا : أن دراسـتها تُكَـوِّن عند المـرء مَلَكَـة (1) فقهيـة تُنيـر أمامـه الطريـق لدراسـة أبـواب الفقـه الواسـعة والمتعـددة ، واسـتنباط الحلـول للوقائـع المتجـددة ، لـذا أصبحـت القواعـد معينـًا للفقهـاء ، ومبعـث حركـة دائمـة ونشـاط متجـدد ، يبعـد الفقـه عـن أن تتحجـر مسـائله ، وتتجمـد قضايـاه .
رابعــًا : أنهـا تُمَكِّـن الفقيـه مـن تخريـج الفـروع بطريقـة سَـوِيَّة ، وتُبعـده عـن التَّخبـط ، والتناقـض الـذي قـد يترتـب علـى التخريـج مـن المناسـبات الجزئيـة .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 6 .
( 1 ) تربـي عنـده ملكـة الفهـم والاسـتنباط والنظـر والاجتهـاد فـي الفـروع الفقهيـة بحيـث لا يغـدو طالبًـا حافظًـا فقـط لكتـب الفـروع ، وإنمـا يربـى علـى ضـم المسـألة إلـى مثيلاتهـا ونظيراتهـا ومـا شـابهها ، وهـذا يفيـد الطالـب فـي :
أ : إبعـاده عـن الجمـود الفكـري 0 ب : والنظــر الفقهـي ، فينتقـل علـى إثـر ذلـك مـن مرحلـة التقليـد لغيـره إلـى مرحلـة أوسـع ، وهـي مرحلـة الاسـتدلال والنظـر .
منظومة القواعد الفقهية .../ شرح : خالد الصقعبي / ص : 8 .
نبـــذة تاريخيـــة
============
نـزل القـرآن الكريـم يتضمـن الكثيـر مـن القواعـد .
ومثالـــه :
{ ... وَتَعَاوَنُـواْ عَلَـى الْبـرِّ وَالتَّقْـوَى وَلاَ تَعَاوَنُـواْ عَلَـى الإِثْـمِ وَالْعُـدْوَانِ ... (1) } .
سورة المائدة / آية : 2 .
{ وَجَـزَاء سَـيِّئَةٍ سَـيِّئَةٌ مِّثْلُهَـا ... (2) } . سورة الشورى / آية : 40 .
ومـن المعلـوم أن الله ـ عــز وجــل ـ امتَّـنَّ علينـا ببعثـة نبيـه محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وخصـه بخصائـص منهـا أنـه أوتـي جوامـع الكلـم ، وجوامـع الكلـم أن يتكلـم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالكـلام القليـل ، الـذي يكـون لـه معـان عديـدة ، ويشـمل أحكامًـا متعـددة .
وإذا تأمـل المـرء سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وجـد فيهـا مـن ذلـك الشـيء الكثيـر .
ومثــال ذلـك :
قـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا ضـرر ولا ضـرار (3)" .
القواعد الفقهية بين الأصالة ... / ص : 18 / بتصرف .
فالمقصـود أن المتأمـل فـي سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يجـد أن هنـاك عـددًا مـن الأحاديـث النبويـة قـد اختصـرت ألفاظهـا ، ودلـت علـى معــانٍ عديــدة ، وأحكــام متعـددة ، فيدلنـا هـذا علـى مبـدأ قواعـد الفقـه .
ـ ثـم بعـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وردت ألفـاظ رشـيقة عـن الأئمـة مـن الصحابـة ، ومَـنْ بَعْدَهـم مـن التابعيـن فيهـا ؛ اختصـار فـي الألفـاظ ، وشـمول فـي المعانـي والأحكـام .
ومـن ذلـك : قـول أميــر المؤمنيـن " عمـر بـن الخطــاب " ـ رضي الله عنه ـ : ( مقاطـع الحقـوق عنـد
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) فهذه قاعدة ؛ فكل ما يطلق عليه بر وتقوى ، أمر الشرع بالتعاون عليه ، وكل ما كان إثم فالشرع نهى عن التعاون عليه .
( 2 ) جزاء كل سيئة سيئة مثلها .
( 3 ) سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 3 ) ـ كتاب : الأحكام /( 17 ) ـ باب : من بنى في حقه ما يضر جاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
الشـروط ... ) ، كمـا ذكـر ذلـك البخـاري تعليقًـا 0 ( 54 ) ـ كتاب : الشروط / ( 6 ) ـ باب : الشروط في المهر عند عقدة النكاح / ص : 318 ) . ورواه بإسـناد جيـد : عبـد الـرزاق وغيـره .
[ ومعناهـا : مقاطـع جمـع مقطـع وهـو موضـع القطـع فـي الأصـل ، وأراد بمقاطـع الحقـوق : وجـوب الحقـوق عنـد الشـروط ] .
وقـال أميـر المؤمنيـن " عمـر بـن الخطـاب " ـ رضي الله عنه ـ أيضًـا :
( هـذه علـى مـا نقضـي ، وتلـك علـى مـا قضينـا ) . فهـذه عبـارة مختصـرة أصبحت قاعـدة فقهيـة يهتـدي بهـا الأئمـة والعلمـاء والفقهـاء ، وهـذا اللفـظ رواه عبـد الـرزاق ، وابـن أبـي شـيبة ، وجماعـة بإسـناد لا بـأس بـه .
ـ ثـم بعـد عصـور الصحابـة والتابعيـن ، وبعـد أن جـاء عصـر التدويـن نجـد الواحـد مـن العلمـاء يعلـل الأحكـام الفقهيـة التـي يطلقهـا بعلـل تجمـع أحكامًـا فقهيـة مـن أبـواب شـتى ، فأخـذ مـن تلـك التعليـلات قواعـد فقهيـة .
ومـن أمثلـة ذلـك بعـد عصـر التدويـن أن الإمـام الشـافعي ـ رحمه الله ـ فـي كتابـه الأم ، ذكـر عـددًا مـن الأحكـام وعَلَّلَهَـا بعِلـل جامعـة تشـمل مسـائل عديـدة ؛ مـن ذلـك قولـه ـ رحمه الله ـ : ( لا يُنسـب إلـى سـاكت قـول ) ومنهـا قولـه ( الرُّخَـص لا يتعـدى بهـا محلهـا ) ـ فأُخِـذَت هـذه الألفـاظ كقواعـد عامـة ـ قواعـد فقهيـة ـ ، ورُتبـت عليهـا أحكـام فقهيـة فـي أبـواب عديـدة .
ومـن ذلـك : قـول الإمـام أبـي يوسـف ـ رحمه الله ـ : ( التعذيـر إلـى الإمـام علـى قـدر الجنايـة ) .
ومنهـا قولـه عـن الوصـي : ( لا يشـتري كيـف يبيـع ) يعنـي : لا يشـتري مـن الميـراث ، كيـف يشـتري وهـو يبيـع ؟ فأخـذ مـن هـذا قاعـدة فقهيـة أن مـن يبيـع لا يشـتري ، فمثـال ذلـك : الوكيـل إذا كـان سـيبيع بضاعـة لغيـره ، فإنـه لا يجـوز أن يشـتري تلـك البضاعـة لنفسـه .
ـ ثـم بعـد عصـور أوائـل التدويـن ، رَغـب العلمـاء جمـع تلـك القواعـد فـي مؤلفـات خاصـة ، وذلـك لأن الفـروع الفقهيـة متكاثـرة ، ولا يمكـن الإحاطـة بهـا ، فعندمـا نضبـط تلـك القواعـد نسـتطيع ضبـط الفـروع الفقهيـة 0 فحـاول العلمـاء التأليـف فـي القواعـد الفقهيـة .
ـ ومـن أوائـل مـن ألَّـفَ فـي القواعـد الفقهيـة : " أبـو الحسـن الكرخـي " المتوفـى سـنة أربعيـن وثلاثمائـة ( 340 ) ، فـي كتـاب عُـرف بعـد ذلـك باسـم " أصـول الكرخـي " .
ثـم ألَّـفَ بعـده ( أبـو زيـد الدَّبُوسـيّ ) المتوفـى سـنة ( 430 ) كتابـه : " تأسـيس النظـر " وذكـر فيـه
عـددًا من القواعـد الفقهيـة ، وذكـر فيـه عـددًا مـن الفـروع الفقهيـة المترتبـة علـى تلـك القواعـد .
ـ بعـد ذلـك جـاء الإمـام " العـز بن عبـد السـلام " ـ رحمه الله ـ المتوفـى سـنة سـت وسـتمائة ( 606 ) فألـف كتابـه :
" قواعـد الأحكـام فـي مصالـح الأنـام " ، وكـان مـن أوائـل الكتـب المؤلَّفَـة فـي القواعـد الفقهيـة ، فاحتـذى العلمـاء بعـده حـذوه ، فألَّفُـوا مؤلَّفـات عديـدة فـي هـذه القواعـد .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري/ ص : 4 / بتصرف .
ـ أمـا القـرن الثامـن الهجـري ، فإنه يعتبـر العصـر الذهبـي فـي تدويـن القواعـد الفقهيـة ونهضتهـا علـى أيـدي كبــار الأئمـة ، فقـد اتسـعت رقعتهـا ، واحتفلـت (1) المؤلفـات فيهـا ، ومـن أشـهر مـا أُلِّــف فـي هـذا العصـر :
* " القواعـد النورانيـة الفقهيـة " لشـيخ الإسـلام ابـن تيميـة .
* " الأشـباه والنظائـر " لتـاج الديـن السُّـبكي . ( المتوفـي : 771 هـ ) .
* " القواعــد فـي الفقــه الإسـلامي " للحافــظ ابـن رجــب الحنبلـي ( المتوفـى : 795 هـ ) 0 وغيرهـا كثيـر .
ـ وفـي القـرن التاسـع الهجـري ، جـاء العلاَّمـة ابـنُ المُلَقِّـنِ الشـافعي فوضـع كتابـه : " الأشـباه والنظائـر " ورتبـه علـى الأبـواب الفقهيـة ، مبينًـا مـا وقـع فيـه الاختـلاف .
ـ ثـم جـاء القـرن العاشـر الهجـري ، وفيـه رَقِـيَ التدويـن بكتـاب " الأشـباه والنظائر " للعلامـة السـيوطي ـ رحمه الله ـ والـذي جمـع فيـه القواعـد المتناثـرة والمبـددة عنـد العلائـيِّ ، والسّـبكيِّ، والزّركشـيِّ ، وهـو يُعـد مـن أروع مـا أُلـف فـي هـذا المجـال ، وأغزرهـا مـادة ، وأحسـنها ترتيبًـا وتنسـيقًا .
ونظيـره " الأشـباه والنظائـر " للعلامـة ابـن نُجيـمٍ الحنفـيِّ ـ رحمه الله ـ .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين ... / ص : 188 / بتصرف .
ثـم تتابعـت مصنفـات الحنابلـة فـي القواعـد جيـلاً بعـد جيـل ، ورعيـلاً يعقبـه رعيـل ، فألَّفـوا فـي ذلـك كتبًـا شـريفة ومختصـرات مضبوطـة 0 وكـان مـن آخـر ما أُلِّـف : " منظومـة القواعـد الفقهيـة " للشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السَّـعدي ـ رحمه الله ـ ضمنهـا طائفـة مـن مختاراتـه فـي القواعـد والضوابـط ، وقـد احتـوت علـى مهمـات القواعـد كمـا ذكـره الناظـم فـي الشـرح بقولـه : ( وبعـد ، فإنـي وضعـت لـي ولإخوانـي منظومـة مشـتملة علـى مهمـات قواعـد الديـن ، وهـي وإن كانـت قليلـة الألفـاظ ، فهـي
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) حفل اللبن في الضرع : اجتمع ... ، امتلأ به . المعجم الوجيز / ص : 161 .
كثيــرة المعانـي لمـن تأملهـا ) . ومـن ثـمَّ كانـت عنايـة المتأخريـن بهـذا النظــم دراسـة وحفظًـا وتفهُّمًـا وضبطًـا .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 10 .
* * * * *
تعريــف القاعــدة الفقهيـــة
===================
ـ القواعـد فـي اللغــة :
جمـع قاعـدة ، ومعنـى القاعـدة : أصـل الشـيء ، وقواعـد البيـت أسـاسـه ، ومنـه قولـه تعالـى :
{ وَإِذْ يَرْفَـعُ إِبْرَاهِيـمُ الْقَوَاعِـدَ مِـنَ الْبَيْـتِ وَإِسْـمَاعِيلُ رَبَّنَـا تَقَبَّـلْ مِنَّـا ... } .
سورة البقرة / آية : 127 .
وقولـه تعالـى : { ... فَأَتَـى اللهُ بُنْيَانَهُـم مِّـنَ الْقَوَاعِـدِ ... } .سورة النحل / آية : 26 .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : حسين بن عبد العزيز آل الشيخ .
ـ القواعــد فـي اصطــلاح الفقهــاء :
اختلـف الفقهـاء فـي تعريـف " القاعـدة الفقهيـة " بِنـاء علـى اختلافهـم فـي مفهومهـا ، هـل هـي قضيـة كُليـة أو قضيـة أغلبيـة ؟
ونختـار لكـل مدرسـة تعريفـًا مـن تعريفاتهـا :
ـ فمـن تعريفـات المدرسـة الأولـى :
" الأمـر الكلـي الـذي ينطبـق عليـه جزئيـات كثيـرة ، تُفهـم أحكامهـا منـه " .
ـ ومـن تعريفـات المدرسـة الثانيـة :
" حكـم أكثـري لا كُلِّـي ، ينطبـق علـى أكثـر جزئياتـه ، لِتُعْـرَف أحكامهـا منـه " .
والظاهـر أن الباعـث لمـن يُعَرِّفهـا بأنهـا حكـم أكثـري هـو : أن كثيـرًا مـن قواعـد الفقـه لها صـور مسـتثناة منهـا ، ولا ينطبـق عليهـا حكمهـا ، ويلحـظ هذا الأمـر من يُطالـع كتـب " قواعـد الفقـه " .
ولكـن هـذا الاسـتثناء وعـدم الاطـراد ، لا ينقـض كُليـة تلـك القواعـد ، ولا يقـدح فـي عمومهـا ، لأن الغالـب الأكثـري معتبـر فـي الشـريعة اعتبـار القطعـي ، كمـا أن الكليـات الاسـتقرائية صحيحـة وإن تخلَّـف عـن مقتضاهـا بعـض الجزيئـات .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق : العثيمين / ص : 4 .
* * * * *
أقســـام القواعــد الفقهيــة
===================
تُقَسَّـم القواعـد الفقهيـة مـن حيثيتيـن :
* الحيثيــة الأولـى : مصدرهـــا واسـتمدادها :
------------------------------
يمكـن تقسـيم القواعـد الفقهيـة مـن حيـث مصادرهـا أو اسـتمدادها إلـى قسـمين :
أ ـ قواعـد جـاء بهـا نـص شـرعي :
* وقـد تكـون القاعـدة بلفـظ النـص .
مثـل قاعـدة : " لا ضـرر ولا ضِـرار " .
حيـث أن مصدرهـا حديـث نبـوي صحيـح .
فعـن عبـادة بـن الصامـتِ ؛ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قضـى أن : " لا ضـرر ولا ضِـرار " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 17 ) ـ
باب : من بنى في حقه مايضر بجاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
* وقـد تكـون القاعـدة أُنشِـأ لفظهـا مـن ظاهـر النـص دون حاجـة إلـى اسـتنباط .
مثــل قاعــدة :
وليـس واجــبٌ بـلا اقتــدار ولا محــرمٌ مـع اضطــرار .
وكـل محظـور مـع الضـرورة بقـدر مـا تحتاجـه الضـرورة .
فهـذه القاعـدة مسـتفادة مـن ظاهـر نـص حديـث صحيـح دون الحاجـة إلـى اسـتنباط .
* فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلمـ قـال :
" دعـوني مـا تركتكـم ، إنمـا هلـك مـن كـان قبلكـم بسـؤالهم واختلافهـم علـى أنبيائهـم ، فـإذا نهيتكـم عـن شـيء فاجتنبـوه ، وإذا أمرتكـم بأمـرٍ فَأْتُـوا منـه مـا اسـتطعتم " .
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء بسنن
رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ / حديث رقم : 7288 / ص : 846 .
ولقولـه تعالـى :
{ لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسًـا إِلاَّ وُسْـعَهَا ... } 0 سورة البقرة / آية : 286 .
ولقولـه تعالـى :
{ فَاتَّقُـوا اللهَ مَـا اسْـتَطَعْتُمْ ... } . سورة التغابن / آية : 16 .
ويُسـتفاد مـن هـذه القاعـدة ومـا يتفـرع عنهـا أن : القـدرة منـاط التكليـف .
ب ـ قواعـد خرَّجهـا العلمـاء مـن اسـتقراء (1) الأحكـام الجزئيـة :
وهـي التـي تتبعهـا العلمـاء فـي أبـواب الفقـه المختلفـة ، وصاغوهـا في عبـارات موجـزة مسـلسـلة .
مثــل قاعــدة :
وكـلُّ مشـغولٍ فـلا يُشَـغَّلُ مثالُـه المرهـونُ والمُسَـبَّلُ .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 6 / بتصرف .
ومجموعة الفوائد البهية ... / ص : 21 / بتصرف .
بالاسـتقراء جمـع العلمـاء أحكـام جزئيـة نتـج عنهـا هـذه القاعـدة .
س : مـا هـو الاســتقراء ؟
ـ الاسـتقراء لغـةٌ : مصـدر اسـتقرى فـلان الأثـر يسـتقريه ، إذا تتبعـه .
مثـل : اسـتقريت ـ أي تتبعـتُ ـ وجـوه القـوم لأعـرف أخـي .
ويخطــئ مـن يقــول : ( اســتقرأتُ ، أسـتقرئ ) . وهـو خطــأ لأن هـذا مـن القــراءة 0 فمعنــى ( اسـتقرأت ) : طلبـت القـراءة .
و ( اسـتقريت ) مـن ( القَـرْي ) أو ( القَـرْوِ ) وهـو التتبـع .
ـ الاسـتقراء فـي اصطـلاح الأصولييـن : تتبـع العـام فـي جزئياتـه المعلومـة أحكامهـا ، فـإذا اسـتقراها المجتهـد فوجدهـا كلهـا علـى حكـم واحـد ، فيغلـب علـى الظـن أن الصـورة التـي لـم يعلـم حكمهـا ، موافقـة فـي الحكـم لسـائر الصـور .
ومثالــه : صـلاة الوتـر : اختُلِـفَ فـي أنهـا واجبـة أو مسـتحبة ، فنظرنـا فوجدنـا جميـع الصلـوات المفروضــة لا تـؤدَّى علـى الراحلــة ، ووجدنـا الوتــر يـؤدَّى علـى الراحلـة ، فيغلـب علـى الظـن
أنـه نافلـة وليـس فريضـة ، ليكـون البـاب كلـه جاريًـا علـى وتيـرة واحـدة .
الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 164 / بتصرف .
-----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) الاستقراء ---> أي التتبع .
· وهـذه أحكــام جزئيـة علـى سـبيل المثــال وليـس الحصـر ـ علـى أسـاسـها صـاغ العلمـاء قاعـدة ( وكـل مشـغول فـلا يُشـغل ) ـ :
ـ زوجـة الغيـر ومعتدتـه محرمـة علـى جميـع الرجـال عـدا زوجهـا ، لأنهـا مشـغولة بـه بمقتضـى عقـد الـزواج 0 فـلا تُشـغَّل بغيـره حتـى تفـرغ مـن هـذا المشـغول بـه لقولـه تعالـى :
{ وَالْمُحْصَنَـاتُ مِـنَ النِّسَـاء إِلاَّ مَـا مَلَكَـتْ أَيْمَانُكُـمْ ... } . سورة النساء / آية : 24 .
أي حرمـت عليكـم المحصنـات مـن النسـاء ، أي المتزوجـات منهـن ، إلا المسـبيات ، فـإن المسـبية تحـل لسـابيها بعـد الاسـتبراء (1)وإن كانـت متزوجـة .
الوجيز في فقه السنة ... / ص : 295 / بتصرف .
ـ لا يحـل لمسـلم أن يخطـب علـى خطبـة أخيـه 0 ولا أن يبيـع علـى بيعـة أخيـه .
قـال ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ : " نهـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يبيـع بعضكـم علـى بيـع بعـض ، ولا يخطـب الرجـل علـى خطبـة أخيـه حتـى يتـرك الخاطـب قبلـه أو يـأذن لـه الخاطـب " .
صحيح البخاري . متون / ( 67 ) ـ كتاب : النكاح / ( 45 ) ـ باب : لا يخطب على خطبة أخيه
حتى ينكِح أو يدعَ / حديث رقم : 5142 / ص : 623 .
ـ ومثلـــه : المرهـون لا يُبـاع ولا يوهـب ولا يرهـن حتـى ينفـك الرهـن أو يـأذن الراهـن .
والـدار المؤجـرة لا تؤجـر حتـى تفـرغ .
فكـل مشـغول بحـق لا يُشْـغَل بآخـر حتـى يفـرغ الحـق منـه .
رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 46 / بتصرف .
* الحيثيــة الثانيــة : اتفـاق الفقهـاء عليهـا وعدمـه :
-----------------------------------
إذ مـن القواعـد مـا اتفقـت المذاهـب الفقهيـة عليهـا ، وتسـمى بالقواعـد الكليـة .
ومنهـا مـا حصـل الاختـلاف فيهـا ـ أعنـي القواعـد الفقهيـة ـ .
مثــال للقواعـد الكليــة :
-----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) الاستبراء ---> أي استبراء الرحم وخلوه من أي حَمْل .
وترجـع الأحكـامُ لليقيـن فـلا يزيـلُ الشـكُّ لليقيـن .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
ـ قـال العلامـة جـلال الديـن السـيوطي ـ رحمه الله ـ فـي : " الأشـباه والنظائـر " / ص : 56 :
" اعلـم أن هـذه القاعـدة تدخـل فـي جميـع أبـواب الفقـه ، والمسـائل المخرجـة عليهـا تبلـغ ثلاثـة أربـاع الفقـه وأكثـر " .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم (1) / إعداد عبد الرحمن ... / ص : 272 .
واختلـف العلمــاء فـي عـدد القواعــد الكليـة ، منهـم مـن قـال : ( 45 قاعـدة ) ومنهـم مـن قــال : ( 66 قاعـدة ) ، إلا أن القواعـد الكليـة الكبـرى قصرهـا الأكثـر علـى خمـس قواعـد ، وهـي :
( الأمـور بمقاصدهـا ) ، و ( اليقيــن لا يـزول بالشـك ) ، و ( المشـقة تجلـب التيسـير ) ، و ( لا ضـرر ولا ضِـرار ) ، و ( العـادة مُحَكَّمَـة ) .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
مثــال للقواعـد المختلَـف فيهـا :
سـيأتي خـلال الشـرح إن شـاء الله .
س : هـل يجـوز أن نجعـل القاعـدة الفقهيـة دليـلاً شـرعيًّا يُسـتنبط منـه حكـم شـرعي ؟ !
هنـاك خـلاف فـي وجهـات النظـر بيـن العلمـاء :
ـ ورد بكتـاب : منظومـة القواعـد الفقهيـة ( للسـعدي ) : شـرح / د . خالـد إبراهيـم الصقعبـي :
هنـاك أقـوال لأهــل العلـم وهـي بمجموعهـا تفيــد أنـه لا يسـوغ اعتبــار القواعـد الفقهيـة أدلـة
شـرعية لاسـتنباط الأحكـام لسـببين :
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) واسمه : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكرِ بنِ أيوبَ بنِ سعدِ بنِ حَرِيزِ بن مكي زين الدين الزُّرعي الأصل ثم الدمشقيُّ الحنبليُّ الشهيرُ بابن قيم الجوزية .
والزرعي : نسبة إلى زُرع : قرية من حَوْران ، وهي ناحية واسعة كثيرة الخير بنواحي دمشق ، منها كانت تحصل غلاتها وقيم الجوزية ، هو والد الإمام ، إذ كان قيمًا ـ مثل كلمة ناظر ـ على المدرسة الجوزية بدمشق .
من أجل ذلك قيل للإمام : ابن قيم الجوزية ، ثم أطلق القول على الإضافة فقيل : ابن القيم .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين / ص : 36 .
الأول : أن هـذه القواعـد ثمـرة للفـروع المختلفـة ، وجامـع ورابـط لهـا وليـس مـن المعقـول أن يُجعـل مـا هـو ثمـرة وجامـع دليـلاً لاسـتنباط أحكـام الفـروع .
الثانــي : أن معظـم هـذه القواعـد لا تخلـو مـن المسـتثنيات ، فقـد تكـون المسـألة المبحـوث عـن حكمهـا مـن المسـائل والفـروع المسـتثناة .
ولذلـك لا يجـوز بنـاء الحكـم علـى أسـاس هـذه القواعـد ، ولكنهـا تعتبـر شـواهد مصاحبـة للأدلـة يسـتأنس بهـا فـي تخريـج الأحكـام للوقائـع الجديـدة قياسًـا علـى المسـائل الفقهيـة المدونـة .
ولكـن هـذا لا يؤخـذ علـى إطلاقـه ، وقـد مـر معنـا أن مـن القواعـد الفقهيـة مـا كـان أصلـه ومصـدره مـن كتـاب الله تعالـى أو مـن سـنة رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو يكـون مبنيًّـا علـى أدلـة واضحـة مـن الكتـاب والسـنة المطهـرة أو مبنيًّـا علـى دليـل شـرعي مـن الأدلـة المعتبـرة عنـد العلمـاء ، أو تكـون القاعـدة مبنيـة علـى الاسـتدلال القياسـي وتعليـل الأحكـام فهـذه أدلـة شـرعية وقواعـد فقهيـة يمكـن الاسـتناد إليهـا فـي اسـتنباط الأحكـام وإصـدار الفتـاوى وإلـزام القضـاء بهـا .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد إبراهيم الصقعبي / ص : 10 .
ـ وقـال الشـيخ : حسـين بـن عبـد العزيـز آل الشـيخ فـي شـرح هـذه المنظومـة :
والأولـى الاسـتدلال بالدليـل المسـتندة إليـه القاعـدة وليـس بالقاعـدة .ا . هـ .
ـ وورد بكتـاب : القواعـد والأصـول الجامعـة والفـروق والتقاسـيم البديعـة النافعـة / تأليـف الشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي 0 تعليـق الشـيخ : محمـد بـن صالـح العثيميـن / ص : 11 :
ذهـب فريـق مـن الباحثيـن إلـى أنـه لا يجـوز جعـل القواعـد الفقهيـة أدلـة للأحكـام الفرعيـة .
واسـتدلوا بنصـوص قليلـة عـن بعـض المتقدميـن ، هـي فـي الواقـع ظنيـة لا قطعيـة ، فـلا يكـاد يصفـو لهـم ذلـك كدليـل مـن نصـوص الأئمـة إلا قليـلاً مـن هـذا القليـل !
وعللـوا ذلـك بأسـباب :
1ـ أن القواعـد ثمـرة للفـروع وجامـع لهـا ؛ وليـس مـن المعقـول أن يجعـل مـا هـو ثمـرة وجامـع دليـلاً لاسـتنباط أحكـام الفـروع .
2ـ معظـم القواعـد لا تخلـو مـن المسـتثنيات .
3 ـ كثيـر مـن القواعـد الفقهيـة اسـتقرائية ، وقـد يكـون اسـتقراءً ناقصًـا .
الـرد علـى عللهـم وأسـبابهم :
ـ الاعتـراض الأول : فالإجابـة عنـه ، أن كـل قواعـد العلـوم بُنيـت علـى فروعهـا ، وأيضًـا فـإن الفـروع التـي نريـد تطبيـق القاعـدة عليهـا ليسـت هـي الفـروع التـي بُنيـت عليهـا القاعـدة ، فـلا دَوْرَ إذن .
ـ الاعتـراض الثانـي : فالإجابـة أنـه لا يسـتدل بهـا إلا العالـم بهـا ، فقـد يكـون الحكـم المسـتثنى منصوصًـا علـى اسـتثنائه فـي كتـب الفـروع أو فـي كتـب الأشـباه والنظائـر ثـم يدرجـه بعضهـم فـي القاعـدة ! فـإن كـان الفـرع جديـدًا فـلا بـأس للماهـر بالقواعـد الاسـتدلال بهـا كـأي اسـتدلال بدليـل ظنـي الثبـوت أو الدلالـة أو بعـام ، والعـام قـد يكـون لـه مُخَصِّـص .
ـ الاعتـراض الثالـث : فالإجابـة أن هنـاك مـن القواعـد مـا ليـس اسـتقرائيًا ، بـل هـي نصـوص شـرعية كمـا قدمنـا ، وأمـا القواعـد الاسـتقرائية فالواقـع يبيـن أنهـا وليـدة عصـور علميـة متتاليـة ، فتمـر القاعـدة بمـن يؤكدهـا ، وبمـن يشـرحها ، وبمـن يسـتثني منهـا ، وبمـن يعتـرض عليهـا ، ممـا يـؤدي إلـى إيضـاح تـام لمـن يريـد الإفتـاء بهـا . ا . هـ .
* * * * *
الفــرق بيـن " القواعــد الفقهيــة " و " الضوابــط الفقهيــة "
=========================================
لالتبـاس القاعـدة الفقهيـة بالضابـط ، لـزم بيـان الفـرق بينهمـا ، إذ بينهمـا عمـوم وخصـوص مطلـق .
فالقاعـدة ـ الفقهيـة ـ أعـمُّ مطلقـًا ، والضابـط ـ الفقهـي ـ أخـصُّ مطلقـًا .
وإيضـاح ذلـك : أن القاعـدة ـ الفقهيـة ـ تضـم تحتهـا مسـائل فقهيـة مـن أبـواب شـتى ، خلافـًا للضابـط ـ الفقهـي ـ فهـو يضـم مسـائل فقهيـة مـن بـاب واحـد .
* فمثــال القاعـدة ـ الفقهيـة ـ : " اليقيـن لا يـزول بالشـك " أو " الشـك يُـدْرَأ باليقيـن " ، حيـث تدخـل هـذه القاعـدة فـي كـل مسـألة فقهيـة اجتمـع فيهـا شـك ويقيـن ، فتدخـل فـي أبـواب شـتى ، كالطهـارة ، والصـلاة ، والزكـاة ، ... .
* ومثـال الضابـط ـ الفقهـي ـ : " كـل مـا يُعتبـر فـي سـجود الصـلاة ؛ يعتبـر فـي سـجود التـلاوة " 0 فهـذا الضابــط يضـم مسـائل تخـص ذينـك السـجودَين ـ فقـط ـ ، وكلاهمـا خـاص ببـاب الصـلاة ، لا يتعداهـا إلـى أبـواب أخـرى فاعلــم أن التفريـق السـابق بيـن " القاعـدة " و " الضابـط " ، هـو المقــرر عنـد الفقهـاء ، ولكـن قـد يتسـامحون فـي هـذا التفريـق ، فيطلقـون علـى الضابـط قاعـدة والعكـس .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 20 .
===============
الفــروق بيـن " القواعــد الفقهيــة " و " القواعــد الأصوليــة "
========================================
هنـاك ارتبـاط وثيـق بيـن أصـول الفقـه ، والقواعـد الفقهيـة ، وهـذا لا يعنـي أنهمـا علـم واحـد ، بـل أن كُـلاًّ منهمـا علـم مسـتقل بحــد ذاتـه ، ولكـلٍّ منهمـا قواعــده ، ونظــرًا إلـى أنـه قـد تختلـط " القواعـد الأصوليـة " " بالقواعـد الفقهيـة " عنـد بعـض طـلاب العلـم ـ حيـث إن لكـل منهمـا قواعـد تنـدرج تحتهـا جزئيـات ـ نذكـر أهـم الفـروق بينهمـا ، وهـي :
الفــرق الأول :
---------
أن " القواعـد الأصوليـة " : عبـارة عـن المسـائل التـي تشـملها أنــواع مـن الأدلـة التفصيليـة يمكـن اسـتنباط التشـريع منهـا 0 كالأصـل فـي الأمـر الوجـوب .
أمـا القواعـد الفقهيـة : فهـي عبـارة عـن المسـائل التـي تنـدرج تحتهـا أحكـام الفقـه ، ليصـل المجتهـد إليهـا بنـاء علـى تلـك القضايـا الْمُبَيَّنَـة فـي أصـول الفقـه ، ويلجـأ الفَقيـه إلـى تلـك القواعـد الفقهيـة تيسـيرًا لـه فـي عـرض الأحكـام ، فهـو ـ مثـلاً ـ إذا قـال : " الأصـل فـي الأشـياء الطهـارة " أغنـاه عـن أن يقـول فـي كـل جزئيـة أنهـا طاهـرة .
الفــرق الثانــي :
-----------
أن القواعـد الأصوليـة كليـة تنطبـق علـى جميـع جزئياتهـا وموضوعاتهـا ـ [ ولا يخـرج منهـا شـيء إلا بدليـل ] ـ ، فكـل نهـي مطلـق ـ مثـلاً ـ للتحريـم ، وكـل أمـر مطلـق للوجـوب .
أمـا القواعـد الفقهيـة فإنهـا أغلبيـة ، يكـون الحكـم فيهـا علـى أغلـب الجزئيـات .
الفــرق الثالــث :
------------
أن " القواعـد الأصوليـة " وسـيلة لاسـتنباط الأحكـام الشـرعية العمليـة .
أمـا " القواعـد الفقهيـة " فهـي مجموعـة من الأحكـام المتشـابهة التـي ترجـع إلـى عِلَّـة واحـدة تجمعهـا ، أو ضابـط فقهـي يحيـط بها ، والغـرض مـن ذلـك هـو : تسـهيل المسـائل الفقهيـة وتقريبهـا .
الفــرق الرابــع :
-----------
أن " القواعـد الأصوليـة " قـد وُجِـدَت قبـل الفـروع (1) ، حيـث إنهـا القيـود التـي أخـذ الفقيـه نفسـه بهـا عنـد الاسـتنباط .
أمـا القواعـد الفقهيـة ، فإنهـا قـد وجـدت بعـد وجـود الفـروع .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص : 9 / بتصرف .
الفــرق الخامــس :
------------
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) فالقاعدة الأصولية توجد أولاً ، ثم يُستخرج على أساسها الحكم الفقهي . ثم بعد ذلك تُجمع الأحكام الفقهية المتشابهة ، فيؤلَّف منها قاعدة فقهية .
أن " القاعـدة الأصوليـة " لا يمكـن أن يؤخـذ منهـا الحكـم الفقهـي مباشـرة ، بـل لابـد أن يكـون معهـا دليـل تفصيلـي 0 مثـال ذلـك : قاعـدة " الأمـر للوجـوب " ـ عنـد الإطـلاق ـ هـل يؤخـذ منهـا وجـوب أي فعـل مـن الأفعـال ؟ ! لا . لا يمكـن ذلـك حتـى يُضـاف إليهـا دليـل تفصيلـي مثـل قولـه تعالـى :
{ ... أَقِيمُـواْ الصَّـلاةَ ... } . سورة الأنعام / آية : 72 .
بينمـا " القاعـدة الفقهيـة " يمكـن أن يؤخـذ منهـا حكـم مباشـرة ـ بالضوابـط السـابقة ـ .
مثـال ذلـك : قاعـدة " الأمـور بمقاصدهـا " يؤخـذ منهـا أن النيـة واجبـة للصـلاة وللوضـوء و ... ، فهـذه قاعـدة فقهيـة أُخـذ منهـا الحكـم مباشـرة .
وبصيغــة أخــرى :
القواعـد الفقهيـة تختلـف عـن القواعـد الأصوليـة شـيئًا مـا ، فـإن القواعـد الأصوليـة باختصـار تتعلـق بالتأصيـل لفهـم الأدلـة والنصـوص .
أمـا القواعـد الفقهيـة فإنهـا تتعلـق بالأحكـام التـي تسـتفاد مـن النصـوص ، فـإن وجـد بيـن هـذه الأحكـام تعلـقٌ مـا ، يمكـن أن يُجعـل قاعـدةً ، فهـذه هـي التـي تسـمى القاعـدة الفقهيـة .
فمثـلاً لوحـظ أن الطهـارة والنجاسـة حكمـان 0 اسـتُفيدَ مـن النصـوص أن هنـاك أعيانـًا طاهـرة ، وهنـاك أعيانـًا نجسـة ، فلوحـظ أن الأشـياء والأعيـان الطاهـرة هـي الأكثـر والأغلـب وعليـه اسـتفيدت قاعـدة فقهيـة : وهـي " أن الأصـل فـي الأشـياء الطهـارة " .
فهـذه قاعـدة فقهيـة وليسـت قاعـدة أصوليـة ، لأنهـا ليسـت علـى أسـاسـها تُفهـم النصـوص ، وإنمـا هـي نفسُـها اُسـتُفِيدَت مـن النصـوص .
فـإن قلنـا : الأصـل حمـل العـام علـى عمومـه مـا لـم يُخَصَّـص ، فهـذه قاعـدة أصوليـة ، لأنـه بهـا يسـتعان علـى فهـم النصـوص ، فـلا تتعلـق بنـصٍ معيـن ، ولا تتعلـق بحكـمٍ معيـن .
أمـا إذا قلنـا : " الأصـل فـي الأشـياء الطهـارة " ، فالطهـارة حكـم ، والحكـم ما اسـتُفِيدَ إلا مـن النـص ،
فهـذه قاعـدة فقهيـة .
شرح القواعد الفقهية .
o فـائـــدة :
ــــــــ
الفـرق بيـن القواعـد الفقهيـة والقواعـد الأصوليـة والنحويـة :
يقولـون القواعـد النحويـة مثـل القواعـد الأصوليـة ، شـاملة لا يشـذ عنهـا شـيء ، فـإذا جـاء ـ
فـي القواعـد الأصوليـة ـ أمـر أو نهـي فـإن الأمـر للوجـوب والنهـي للتحريـم ، ولا يصـرف الأمـر عـن الوجـوب والنهـي عن التحريـم إلا صـارف صحيـح مـن الشـارع 0 وكذلـك : القواعـد النحويـة شـاملة 0 ومـن أمثلـة ذلـك : " الفاعـل " هـو الاسـم المرفـوع الـذي يأتـي بعـد الفعـل للدِلالـة علـى مـن فعـل الفعـل أو أقـام به الفعـل ، فلا يمكـن لـ " فاعـل " فـي فـن النحـو أن يخـرج عـن هـذه القاعـدة أبـدًا . أمـا القواعـد الفقهيـة يُشـذ عنهـا أحيانًـا .
القواعد الفقهية ... / عبيد الجابري / ص : 12 / بتصرف .
o لطيفـــة :
ـــــــ
قيـل مـن لـم يتقـن الأصـول حُـرمَ الوصـول 0 وقيـل بعبـارة أخـرى : " مـن فاتـه الأصـول حُـرِمَ الوصـول " 0 لأن الأصـول هـي العلـم ، والمسـائل فـروع ، تأصـل الشـجرة وأغصانهـا ، إذا لـم تكـن الأغصـان علـى أصـل جيـد فإنهـا تذبـل وتهلـك .
والمقصـود بالأصـول : القواعـد والضوابـط المبنيـة علـى الكتـاب والسـنة الصحيحـة .
حلية طالب العلم . شرح : الشيخ العثيمين / ص : 67 .
* * * * *
الفـــروق الفقهيـــة
===============
· تعريفهـــا :
---------
هـو الفـن الـذي يُذكـر فيـه الفـرق بيـن النظائـر المتحـدة تصويـرًا ومعنـى ، المختلفـة حكمـًا وعلـة . إذن هـو علـم يبحـث فـي المسـائل أو القواعــد التـي تشـابهت إلـى حـد كبيــر ، حيـث تظهـر فـي بـادئ النظـر وكأنهـا مـن النظائـر فيكـون حكمهـا واحـدًا ، ولكـن عنـد تدقيـق الفقيـه فـي نظـره للمسـائل يتضـح لـه فـارق بينهمـا ، فيفـرق بينهمـا فـي الحكـم .
وقـد يظهـر الفـرق ويخفـى ويتوسـط فيحتـاج إلـى نظـر بحسـبه فـي ذلـك .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق العثيمين / ص : 12 / بتصرف .
· الفــرق بيـن الأشــباه والنظائــر ، والفــروق الفقهيــة :
----------------------------------------
المسـائل الفقهيـة إذا تشـابهت أو تناظـرت ، اندرجـت تحـت حكـم واحـد ، لاشـتراكهما فـي " العِلَّـة " ، أو فـي " وصـف جامـع لهـا " .
كقيـاس جميـع المسـكرات علـى الخمـر .
لكـن أحيانـًا يكـون بيـن هـذه المسـائل المتشـابهة فـروق دقيقـة ، وعِلـل خفيـة تجعـل بعضهـا منفصـلاً عـن بعـض ، فـلا تأخـذ المسـألة حكـم الأخـرى لضعـف التشـابه بينهمـا . وعلـى هـذا نسـتطيع أن نعـرِّف " الفـروق الفقهيـة " بأنهـا :
" المسـائل الشـرعية المتشـابهة فـي صورهـا مـع اختـلاف أحكامهـا لعلـة أوجبـت ذلـك " .
فكـل فـرق بيـن مسـألتين مؤثـر مـا لـم يغلـب علـى الظـن أن الجامـعأظهـر 0 ولا يُكْتَفَـى بالخيـالات فـي الفـروق ، بـل إن كـان اجتمـاع مسـألتين أظهـر فـي الظـن مـن افتراقهمـا ، وجـب القضـاء باجتماعهمـا وإن انقـدح فـرق علـى بُعْـد .
والبحـث عـن الفـروق الدقيقـة والعلـل الخفيـة فـن بديـع ، لا يقـدر علـى ممارسـته إلا مـن أوتـي موهبـة فـذة فـي الفكـر ، وعلمـًا غزيـرًا فـي اللغـة ، وفقهـًا واسـعًا فـي الديـن ، ومَلَكَـة خاصـة فـي إدراك تلـك الفـروق علـى خفائهـا ودقتهـا .
ووظيفـة هـذا الفـن : إظهـار المسـائل بوضـوح ، وكشـف النقـاب عـن الاختـلاف فـي الحكـم والمنـاط ـ أي : العِلَّـة ـ فـي المسـائل المتشـابهة مـن حيـث الصـورة ، أو المسـائل المتقـارب بعضهـا مـن بعـض حيـث يتضـح بذلـك للفقيـه طـرق الأحكـام ، ويكـون قياسـه للفـروع علـى الأصـول متسـق النظـام .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 17 .
· كيفيــة إدراك الفــروق :
-----------------
ـ الأوصـاف تنقسـم فـي ذواتهـا إلـى مناسـب للحكـم ، وإلـى طـرديوهـو ما ليـس بمناسـب للحكـم .
معنـى وصـف مناسـب للحكـم : أن يكـون ربـطُ الحكـم ـ بهـذا الوصـف ـ ودورانـه معـه وجـودًا وعدمًـا مَظنَّـةَ تحقيـق الحكمـة التـي شُـرع لأجلهـا الحكـم وهـي جلـب مصلحـة أو درء مفسـدة .
كالإسـكار فـي الخمـر ؛ إذ ربـط التحريـم به ـ أي بهـذه الصفــة وهي الإسـكار ـ مظنـة حفـظ العقـل .
معنـى وصـف طـردي : هـو الوصـف الـذي لـم تظهـر فيـه المناسـبة ولـم يُعهـد مـن الشـارع الالتفـات إليـه فـي شـيء مـن الأحكـام .
ككـون الخمـر سـائلاً أو أصفـر اللـون .
ـ والأوصـاف كذلـك تنقسـم فـي أوضاعهـا مـن صـور الأحكـام إلـىجامـع وفـارق .
فالصورتـان مثـلاً تشـتركان فـي أوصـاف تجمعهـا ، وتتميـز بأوصـاف يفـارق فيهـا بعضهـا بعضًـا ، فتتخـرج مـن ذلـك حـالات :
أ ـ قـد يكـون ـ الجامـع والفـارق ـ أحدهمـا مناسـب للحكـم والآخـر طـردي :
ينظـر فـي الوصـف الجامـع والفـارق ، فَيُعْتبـر المناسِـبُ ويُلْغـى الطـردي عـن طريـق تنقيـح المنـاط .
وتنقيـح المنـاط : هـو أن ينـص الشـارع علـى حكـم ويضيفـه إلـى وصـف فيقتـرن بـه أوصـاف أخـرى لا مدخـل لهـا فـي الإضافـة ولا أثـر لهـا فـي الحكـم ، فيقـوم المجتهـد بحـذف مـا لا يصـح عِلـة ليتسـع الحكـم .
[ فمثـلاً لـو جـاء فـي الحديـث أن رجـلاً كثيـر الشـعر ضخـم البـدن مفتـول العضـلات جـاء إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو يقـول : يـا رسـول الله ، إنـي جامعـت امرأتـي فـي رمضـان ، فمـاذا علَـيَّ ؟ يقـول عليـك : كـذا وكـذا . فهـذه الأوصـاف كلهـا طرديـة لا مناسـبة لهـا للحكـم ، أي لـو اسـتفتانا رجـل نحيـف أصلـع رَخـي العضـلات وجامـع فـي نهـار رمضـان ، يكـون حكمـه كحكـم الأول تمامًـا مـع أن الأول كـان كثيـر الشـعر ضخـم البـدن ... والثانـي ليـس فيـه هـذه الصفـات لأن الأوصـاف المذكـورة طرديـة لا مناسـبة لهـا للحكـم (1) ] .
فهـذه الصفـات الطرديـة لا تصـح علـة للحكـم ، والوصـف المشـترك هنـا والمناسـب للحكـم فيصـح عِلـة للحكـم هـو : الجمـاع فـي نهـار رمضـان .
ب ـ قـد يكونـان ـ أي الجامـع والفـارق ـ مناسـبين فيغَلَّـب أنسـبهما :
فيكـون التغليـب إمـا للمعنـى الفـارق وإمـا للمعنـى الجامـع .
مثـال التغليـب بالمعنـى الفـارق :
قاتـل ابنـه ، وقاتـل أجنبـي عنـه 0
-----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ... ] مصدره : شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 533 .
فالجامـع بيـن الأب القاتـل لابنـه ، والقاتـل لأجنبـي عنـه ، أنهمـاقاتـلان 0 فلمـاذا يُقتـل قاتـل الأجنبـي قِصاصًـا ، ولا يُقْتَـل الأب قاتـل ابنـه ؟ .
لِوصْـف الأبـوة وهـذا هـو الوصـف الفـارق .
فوصـف الأبـوة أشـد مناسـبة لإسـقاط القَـوَد لإثباتـه مـن جهـة أن شـفقة الأب تمنـع عـادة مـن تعمـد قتـل الوالـد لولـده ، بخـلاف قاتـل الأجنبـي عنـه .
فيكـون الحكـم هنا بتغليـب المعنـى الفـارق ، فيختلـف حكـم قاتـل ابنـه عـن حكـم قاتـل أجنبـي عنـه .
مثـال التغليـب بالمعنـى الجامـع :
لا فـرق عنـد الحنابلـة بيـن قتـل الأب ولـده وبيـن أن يضربـه بسـيف أو يذبحـه 0 فإنـه لا يُقتـل بـه تغليبًـا للمعنـى الجامـع بيـن القتـل والذبـح ، وهـو الإشـفاق الـوازع ، وإلغـاء للمعنـى الفـارق وهـو خصوصيـة الذبـح ؛ إذ هـو بالنسـبة إلـى الجامـع المذكـور طـردي .
فيكـون الحكـم هنـا بتغليـب المعنـى الجامـع ، فيكـون حكـم الأب قاتـل ابنـه ، وذابـح ابنـه هـو نفـس الحكـم 0 ( نسـأل الله العافيـة ) .
ج ـ قـد يتجاذبـان ـ أي الجامـع والفـارق ـ المناسـبة فيتجـه الخـلاف :
مثالـه : إيجـاب الزكـاة فـي مـال الصبـي : فمـن قـال بوجوبـه ، فـلأن بيـن الصبـي والبالـغ جامعًـا وهـو مِلـك النصـاب الزكـوي ملكًـا تامًّـا ، وهـو مناسـب لاشـتراكهما فـي تعلـق الزكـاة بمالهمـا .
أمـا مـن رأى فارقًـا وهـو كـون البالـغ مكلفًـا بالعبـادات ، والزكـاة عبـادة فلزمتـه ، بخـلاف الصبـي غيـر مكلـف بالعبـادات ، فـلا تزمـه زكـاة حتـى يبلـغ .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص : 14 / بتصرف .
· أهميــة علــم الفــروق الفقهيــة :
--------------------------
علـم " الأشـباه والنظائـر " وعلـم " الفـروق الفقهيـة " ، جناحـان للفقيـه ، يحلـق بهمـا فـي مسـائل الشـريعة وقواعدهـا ، فـلا يهبـط إلا وقـد حـدد مواطـن التشـابه ومواطـن التفـرق ، فأسـقط أحكامـه فجـاءت مصيبـة مواقعهـا ، وإلا كـان كمـن طـار بطائـرة فلـم يميـز بيـن جنـد المسـلمين وغيرهـم فألقـى بحمولتـه مـن القذائـف فيكـون ممـن قـال فيهـم سـبحانه :
{ ... خَلَطُـواْ عَمَـلاً صَالِحًـا وَآخَـرَ سَـيِّئاً ... } . سورة التوبة / آية :102 .
فبالفـروق يتضـح للفقيـه طـرق الأحكـام ، ويكـون قياسـه للفـروع علـى الأصـول متسـق النظـام ، ولا يلتبـس عليـه طـرق القيـاس فينبنـي حكمـه علـى غيـر أسـاس .
فالفقـه معرفـة الجمـع والفـرق .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص :12 .
* * * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.