الأربعاء، 16 مارس 2011

الســـبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح



" الســـبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح "

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديــــــم ‏




إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله مـن شـرور أنفسـنا ‏ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا ‏هــادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا ‏عبـده ورسـوله . ‏

‏{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اتَّقُـواْ اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـهِ وَلاَ تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنتُـم ‏مُّسْـلِمُونَ } . ‏‏ ‏سورة آل عمران / آية : 102 .‏
‏{ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ ‏وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيراً وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللهَ ‏الَّـذِي تَسَـاءلُونَ بِـهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـاً } . ‏
‏ سورة النساء / آية : 1 . ‏
‏{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنـُوا اتَّقُـوا اللهَ وَقُولُـوا قَـوْلاً سَـدِيداً * يُصْلِـحْ ‏لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـن يُطِـعْ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ ‏فَـوْزاً عَظِيمـاً } . ‏
‏ ‏سورة الأحزاب / آية : ( 70 ، 71 ) . ‏

أمــا بعـــد : ‏
فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـدي هــديُ محمـدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله ‏وسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا ، وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ، وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، ‏وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـار . ‏


ثــم أمــا بعـــد : ‏
إن مـن أشـرف العلـوم وأعظمهـا خيـرًا ونفعـًا : " علـم أحكـام أفعـال العبيـد " ، ‏المشـتهر بعـد باسـم : ‏
‏" الفقـه الإسـلامي " . المشـمول فـي عمـوم قـول النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ‏‏:
" مـن يـردِ اللهُ بـه خيـرًا يفقهـه فـي الديـن ، وإنمـا أنـا قاسـم والله يعطـي ..... ‏‏" . ( متفق عليه من حديث معاوية ) . ‏
صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 13 ) ـ باب : من يرد الله به ... / حديث رقم : 71 / ‏ص : 20 . ‏

والفقـــه لغـــة : ‏
‏-------------‏
الفهـم . ومنـه قولـه تعالـى :
‏‏{ وَاحْلُـلْ عُقْـدَةً مِّـن لِّسَـانِي * يَفْقَهُـوا قَوْلِـي }.سورة طه / آية : 27 ، 28 . ‏

الفقـــه اصطلاحــًا : ‏
‏--------------‏

‏" معرفـة الأحكـام الشـرعية العلميـة بأدلتهـا التفصيليـة " .
والمـراد بقولنـا : " معرفـــة " : العلــم ، والظـن . ‏
لأن إدراك الأحكـام الفقهيـة ، قـد يكـون يقينـًا ، وقـد يكـون ظنـًا كمـا فـي كثيـر ‏مـن مسـائل الفقـه . ‏

ولهـذا فـإن مسـائل الاجتهـاد التـي يختلـف فيهـا أهـل العلـم غالبهـا ظنـــي ، ‏وليسـت بعلميـة . ‏
ولـو كانـت علميـة لمَـا اختلفـوا فيهـا . ‏

المقصـــود بالظــن : ‏
‏--------------‏

هـو الظـن المحمـود المبنـي علـى أسـس واجتهـاد . ‏
فالظـن ظنـان :

ـ ظـن جائـز محمـود : ‏
وهـو المبنـي علـى اجتهـاد ، فهـذا هـو مـا يسـتطيعه الإنسـان .‏
قـال تعالـى :
{ لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسـاً إِلاَّ وُسْـعَهَا ... } . ‏سورة البقرة / آية : 286 .‏

‏* وعـن عمـرو بـن العـاص ـ رضي الله عنه ـ أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله ‏وسلم ـ يقـول : ‏
‏" إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ ‏فلـه أجـر " . ‏‏
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام ‏بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ ‏
باب : أجر الحاكم ... / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .

ومعلـوم أنـه لـو كـان حُكْـم الحاكـم يقينـًا لمـا أخطـأ ، ولكـن الحكـم المقصـود هـو ‏الحكـم الظنـي المبنـي علـى أسـاس واجتهـاد . ‏


ـ ظـن غيـر جائـز ، مذمـوم :
وهـو لا يُبنـى علـى أسـاس . ‏
مثــال :
إذا جـاء رجـل لعامـي يسـأله علـى شـيء هـل هـو جائـز أم حـرام ؟ ‏
فقـال العامـي : أظنـه حرامـًا . ‏

هـذا غيـر جائـز ، لأنـه لـم يبـن جوابـه علـى أسـاس علمـي واجتهـاد ، وهـو ‏غيـر أهـل للاجتهـاد أصـلاً . ‏
لكـن لـو كـان هنـاك رجــل ـ عالـم ـ مجتهـد تأمـل الأدلـة فغلـب علـى ظنـه أن ‏هـذا القــول هـوالراجـح ، فهـذا ظـن جائـز ، لأن هـذا منتهـى اسـتطاعته . ‏

شرح الأصول من علم الأصول / للشيخ العثيمين / ص : 23 / بتصرف .
وأحكـام هـذا العلـم تسـاير المسـلم وتلازمـه فـي عمـوم مسـالك حياتـه فيمـا بينـه ‏وبيـن ربـه ، وفيمـا بينـه وبيـن عبـاده . ‏
ولجـلال هـذا العلـم ونفعـه ؛ تَسَـابق العلمـاء فـي تدويـن " الفقـه الإسـلامي " ، ‏فقعَّـدوا القواعـد ، وأصَّلُـوا الأصـول ، واسـتنبطوا الألـوف المؤلفـة مـن الفـروع ‏فـي آلاف المجلـدات . ‏

وهـؤلاء الأجلـة مـن العلمـاء علـى تنـوع مؤلفاتهـم الفقهيـة وتزاحـم هممهـم ‏العَلِيَّـة ، تختلـف مدوناتهـم باختـلاف مشـاربهم واتجـاه فقههـم :‏

• فمنهـم مـن ألَّـفَ فـي دائـرة مذهبـه ومـا زاد . ‏
• ومنهـم مـن ألَّـف فـي دائـرة المذاهـب الفقهيـة المنتشـرة فـي الأمصـار . ‏
• ومنهـم مـن كـان كذلـك مبينـًا أدلـة الخـلاف ووجـوه الاسـتدلال . ‏
• ومنهـم رعيـل ألَّـف علـى سـبيل الاجتهـاد والتحقيـق ، والنظـر العميـق ، ... ‏

ومـن خـلال مؤلفـات هـؤلاء العلمـاء الأجـلاء ، عُقِـدَ العـزم علـى تصنيـف " ‏بحـث " لتيسـير فهـم الأحكـام الفقهيـة مـع محاولـة الاسـتدلال لكـل مسـألة ‏بكتـاب الله أو سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، حسـب قواعـد الاسـتدلال ‏واجتهـاد علمـاء هـذا الفـن مـن العلـوم الشـرعية . ‏

وإن كانـت المسـألة خلافيـة ـ وهـو الغالـب علـى مسـائل الفقـه ـ حاولنـا إيـراد ‏الخـلاف ورأي العلمـاء فيـه . ‏

وقـد يـؤدي بنـا هـذا الخـلاف إلـى ذكـر رأي محـدد مُرَجِّـح لهـذا الخـلاف . ‏
وقـد يـؤدي بنـا إلـى الامتنـاع عـن الترجيــح والتوقـف وتــرك هـذا للـدارس ‏عـن طريـق أهـل الذكـر . ‏

ولكـن قبـل ذلـك لابـد مـن معرفـة السـبيل لفهـم ودراسـة المسـائل الفقهيـة ‏وهـذا لا يتأتـى إلا بدراسـة مصطلحـات معينـة ومعرفـة مدلولاتهـا . ومعرفـة ‏بعـض الضوابـط للدراسـات الفقهيـة . ‏

نسـأل الله التوفيـق فـي الدلالـة إلـى هـذا السـبيل المـؤدي إلـى النبـع الصَّافـي ‏المتمثـل فـي الاتبـاع واقتفـاء أثـر الرسـول راجيــن لقـاءه صلـى الله عليـه ‏وعلـى آله وسـلم عنـد حوضـه الشـريف آمنيـن فائزيـن . ‏
والله المسـتعان وعليـه التكـلان .‏
‏ ‏
 
وعملنـا فـي البحـث الموسـوم بـ : ‏

‏" الســـبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح " ينقسـم إلـى ‏قسـمين : ‏

• القســم الأول : ‏
دراســـة بعــض المصطلحـــات والأســس والمفاهيــم ‏
‏ الهامــة. ‏

• القســم الثانـــي : ‏

دراســـة الأبـــواب والمســائل الفقهيـــة .
‏ . ‏
 
________________ 
مراجـــع بحـــث

الســبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح ‏


نزهـة النظـر شـرح نخبـة الفِكَـر فـي مصطلـح أهـل الأثـر .‏

شـرح الأصـول مـن علـم الأصـول . محمـد بـن صالـح العثيميـن .

الواضـح فـي أصـول الفقـه . د . محمـد سـليمان الأشـقر . ‏

الوجيـز فـي أصـول الفقـه . د . عبـد الكريـم زيـدان .‏

المرتقـى الذلـول إلـى نفائـس علـم الأصـول . للعلامـة / عبـد الرحمـن بـن ‏ناصـر السـعدي . ‏

السـنن الأربعـة . تحقيـق الشـيخ / محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .

صحيـح البخـاري . متـون . طبعـة دار ابـن الهيثـم .


صحيـح مسـلم . متـون . طبعـة دار ابـن الهيثـم . ‏

فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري . طبعـة الريـان .

صحيـح مسـلم بشـرح ..... النـووي . دار المعرفـة .‏

صحيـح الجامـع الصغيـر وزيادتـه الفتـح الكبيـر للحافـظ السـيوطي . تحقيـق ‏الشـيخ / محمـد ناصـر الديـن الألبانـي . ‏

صفـة صـلاة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . للشـيخ / محمـد ناصـر الديـن ‏الألبانـي . ‏
تيسـير مصطلـح الحديـث . للدكتـور / محمـود الطحـان . ‏
نظـم الفرائـد ممـا فـي سـلسـلتي الألبانـي مـن فوائـد . عبـد اللطيـف بـن ‏أبـي ربيـع .

رسـالة القواعـد الفقهيـة . تأليـف الشـيخ / عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي . ‏

مجموعـة الفوائـد البهيـة علـى منظومـة القواعـد الفقهيـة . تأليـف : الشـيخ / ‏صالـح بـن

محمـد بـن حسـن الأسـمري . واعتنـى بإخراجهـا : متعـب بـن ‏مسـعود الجعيـد . ‏

القواعـد الفقيـة . للشـيخ / محمـد بـن صالـح العثيميـن ـ رحمه الله ـ . ‏

القواعـد الفقهيـة المسـتخرجة مـن كتـاب إعـلام الموقعيـن للعلامـة ابـن القيـم ‏الجوزيـة .
إعـداد أبـي عبـد الرحمـن عبـد المجيـد جمعـة الجزائـري . ‏

رسـالة : مكانـة السـنة فـي الإسـلام . للشـيخ / صالـح الفـوزان .‏

مناهـل العرفـان فـي علـوم القـرآن . بقلـم / محمـد عبـد العظيـم الزرقانـي . ‏

رسـالة : تعظيـم السـنة وموقــف السـلف ممـن عارضهـا أو اسـتهزأ بشـيء ‏منهـا . بقلـم /

عبـد القيـوم بـن محمـد بـن ناصـر السحيباني . ‏

رسـالة : منزلـة السـنة فـي الإسـلام . تأليـف الشـيخ / محمـد ناصـر الديـن ‏الألبانـي
‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ .‏

‏* * * * *‏
  القســم الأول ‏
دراســـة بعــض ‏
المصطلحـــات ‏
والأســـس والمفاهيــم ‏
الهامــــة




المبحـــث الأول
العمــل ‏
بالكتـــاب والســنة



المطلـــب الأول :‏

‏============================‏

اعلـم أن نصـوص الكتـاب والسـنة التـي لا تُحْصَـى ، قـد تضافـرت بإلـزام جميـع ‏المكلفيـن بالعمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم . ‏
قـال تعالـى : ‏

‏{ اتَّبِعُـواْ مَـا أُنـزِلَ إِلَيْكُـم مِّـن رَّبِّكُـمْ وَلاَ تَتَّبِعُـواْ مِـن دُونِـهِ أَوْلِيَاء قَلِيـلاً ‏تَذَكَّـرُونَ } . سورة الأعراف / آية : 3 .‏

والمـراد بمـا أُنـزل إليكـم : هـو القـرآن والسـنة المُبَيِّنَـة لـه ، لا آراء الرجـال . ‏
وقـال تعالـى : ‏

‏{ فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ ‏فِي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيماً } . ‏
سورة النساء / آية : 65 . ‏
وقـال تعالـى : ‏

‏{ قُـلْ إِن كُنتُـمْ تُحِبُّـونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِـي يُحْبِبْكُـمُ اللهُ ... } .‏
سورة آل عمران : آية : 31 .‏
وقـال تعالـى : ‏

‏{ فَـإِن لَّمْ يَسْـتَجِيبُوا لَـكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ وَمَـنْ أَضَـلُّ مِمَّـنِ اتَّبَـعَ ‏هَـوَاهُ بِغَيْـرِ هُـدًى مِّـنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْـدِي الْقَـوْمَ الظَّالِمِيـنَ } . ‏
سورة القصص / آية : 50 . ‏

والاسـتجابة لـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم بعـد وفاتـه هـي الرجـوع ‏إلـى سـنته صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم ، وهـي مُبَيِّنَـة لكتـاب الله  ‏
قـال تعالـى :‏

‏ { مَّـنْ يُطِـعِ الرَّسُـولَ فَقَـدْ أَطَـاعَ اللهَ ... } . ‏سورة النساء / آية : 80 . ‏

وقـال تعالـى : ‏

‏{ إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ ‏أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِـعِ اللهَ ‏وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ } . ‏



ولاشـك عنـد كـل أحـد مـن أهـل العلـم أن طاعـة الله ورسـوله المذكـورة فـي ‏هـذه الآيـات ونحوهـا مـن نصـوص الوحـي ، محصـورة فـي العمـل بكتـاب الله ‏وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم . ‏

فنصـوص القـرآن والسـنة كلهـا دالـة علـى لـزوم تدبـر الوحـي ،

وتفهمـه ‏وتعلمـه والعمـل بـه . ‏
صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 34 . ‏
‏ ‏ 
* * * * *‏

المطلـــب الثانــي :‏
‏ التمســـك بالكتــاب والســنة ‏

‏======================‏

إن قـوة الأمـة فـي ولائهـا لربهـا .‏

وترابطهـا فـي ارتباطهـا بدينـه .‏

وعزتهـا فـي إعزازهـا لكلماتـه . ‏

وشـرفها فـي دعوتهـا إليـه . ‏

ورخاءهـا فـي طاعتـه . ‏

وعافيتهـا وأمنهـا فـي اعتصامهـا بـه . ‏

والخيـر جميعًـا فـي إيمانهـا وعملهـا بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه ‏وعلـى آله وسـلم . ‏

وقـد آمنـت أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي عهدهـا الأول بذلـك كلـه ،

‏فعضـت بنواجذهـا علـى كتـاب ربهـا وسـنة نبيهـا ، وقبضـت علـى دينهـا قبضـة ‏المؤمـن

الموقـن بجمـال وكمـال دينـه ، وصلاحـه لقيـادة الحيـاة وهدايـة النـاس ، ‏فعـاش الكتـاب

والسـنة حينـذاك فـي القلـوب إيمانًـا وعقيـدة ، وفـي العقـول فكـرًا ‏وثقافـة ، وفـي النفـوس

واعظًــا ومربيًـا ، وبيـن النـاس حاكمًـا وقاضيًـا ، ‏وبالجملـة فقـد كانـا (1) فـي حيـاة

المسـلمين روحًـا وغايـة وفـي جماعتهـم بِنْيَــةً ‏وقوامًـا وشـريعة ونظامًـا . ‏


ولمـا كـان ذلـك هـو حـال أمـة الإسـلام أعزهـا الله بعـزه وحماهـا بحمايتـه ‏وأيدهـا بجنـود

مـن عنـده وحقـق فيهـا وعـده ، كمـا قـال تعالـى : ‏

‏{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا إِن تَنصُـرُوا اللهَ يَنصُرْكُـمْ وَيُثَبِّـتْ أَقْدَامَكُـمْ } . ‏
‏ سورة محمد / آية : 7 . ‏

فلمـا وهنـت عضدتهـا علـى دينهـا ، وتداعـت قبضتهـا علـى الكتـاب والسـنة ، ‏وراحـت

تهتـدي بغيـر هـدي محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتحتكـم إلـى غيـر ‏حكمـه ،

وتركـت الدعـوة إلـى الله ، قَـلَّ عزهـا وغـرب مجدهـا .

مقدمة جامع الأحاديث القدسية / عصام ... الصبابطي / ج : 1 / ص : 9 .

‏( 1 ) كانا : أي الكتاب والسنة كانا .‏


____________ 
المطلـــب الثالــث : ‏
الموقــف مــن الأئمــة المتبوعيــن ‏

‏==========================



‏" اعلـم أن موقفنـا مـن الأئمـة ـ رحمهم الله ـ الأربعـة وغيرهـم ، هـو موقـف سـائر ‏المسـلمين المنصفيـن منهـم ، وهـو موالاتهـم ومحبتهـم وتعظيمهـم وإجلالهـم والثنـاء ‏عليهـم بمـا هـم عليـه مـن العلـم والتقـوى واتباعهـم فـي العمـل بالكتـاب والسـنة ‏الصحيحـة ، وتقديمهـا علـى رأيهـم ، وتعلُّـم أقوالهـم للاسـتعانة بهـا علـى الحـق ‏وتـرك مـا خالـف الكتـاب والسـنة الصحيحـة منهـا .‏

وأمـا المسـائل التـي لا نـص فيهـا ، فالصـواب النظـر فـي اجتهادهـم فيهـا ، وقد ‏يكـون اتبـاع اجتهادهـم أصـوب مـن اجتهادنـا لأنفسـنا ، لأنهـم أكثـر علمًـا وتقـوى ‏منـا ، ولكـن علينـا أن ننظـر ونحتـاط لأنفسـنا فـي أقـرب الأقـوال إلـى رضـا الله ‏وأحوطهـا وأبعدهـا مـن الاشـتباه " . ا . هـ .

‏( أضواء البيان / 7 / 555 ) . حاشية صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 35 . ‏


•ولتمـــام الفائــدة نــورد : ‏

أ : أقــوال الأئمــةِ فـي اتِّبــاع الســنة وتــرك أقوالِهــم المُخالِفَــة لهــا : ‏
‏================================================ ‏


أولاً : أبـو حنيفـة ـ رحمه الله ـ : ‏
‏********************‏

فأولهـم الإمـام أبـو حنيفـة النعمـان بـن ثابـت ـ رحمه الله ـ ، وقـد روى عنـه ‏أصحابـه أقـوالاً

شـتى وعبـارات متنوعـة ؛ كلهـا تـؤدي إلـى شـيءٍ واحـد وهـو : ‏وجـوب الأخـذ بالحديـث ،

وتـرك تقليـد آراء الأئمـة المخالفـة لـه ، منهـا قولـه ـ ‏رحمه الله ـ : " إذا صـح الحديـث فهـو

مذهبـي " . ‏

ثانيًــا : مالــك بـن أنـسٍ ـ رحمه الله ـ : ‏
‏***************************‏
قـال : " إنمـا أنـا بشـر أخطـئ وأصيـب ، فانْظـروا في رأيـي ؛ فكـل ما وافـق ‏الكتـاب والسـنة فخـذوه ، وكـل مـا لـم يوافـق الكتـاب والسـنة فاتركـوه " . ‏

ثالثًــا : الشــافعي ـ رحمه الله ـ : ‏
‏**********************‏

قـال : " مـا مـن أحـد إلا وتذهـب عليـه سـنة لرسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ‏وتَعْـزُب عنـه . فمهمـا قلـتُ مـن قـول ، أو أصَّـلْتُ مـن أصـل فيـه عـن رسـول ‏الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خـلاف مـا قلـتُ ؛ فالقـول مـا قـال رسـولُ الله ـ صلى ‏الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـو قولـي " . ا . هـ . ‏

رابعًــا : أحمـد بـن حنبـل ـ رحمه الله ـ : ‏
‏***************************‏

قـال : " لا تقلدنـي ، ولا تقلـد مالكًـا ولا الشـافعي ، ولا الأوزاعـي ولا الثـوري ، ‏وخـذ من حيـث أخـذوا " . ‏
ا . هـ . ‏
(مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 49 ، ... .‏)

ولمـن أراد التوسـع فـي أقـوال الأئمـة فليرجـع إلـى كتـاب " صفـة صـلاة النبـي " ‏للشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي ـ رحمه الله ـ .‏

  ____________ 

ب : تَــرْكُ الأتْبَــاعِ بعــضَ أقْــوالِ أئِمَّتِهِــمُ اتِّبَاعًــا للسُّــنَّةِ : ‏
‏===========================================‏


كـان أتبـاع الأئمـة لا يأخـذون بأقـوال أئمتهـم كلهـا ، بـل قـد تركـوا كثيـرًا منهـا ‏لمَّـا

ظهـر لهـم مخالفتهـا للسـنة ، حتـى أن الإماميـن : " محمـد بـن الحسـن " ‏و " أبـا يوسـف "

رحمهمـا الله قـد خالفـا شـيخهما أبـا حنيفـة فـي نحـو ثلـث ‏المذهـب ، وكُتـب الفـروع (1)

كفيلـة ببيـان ذلـك .‏
‏ ‏
ونحـو هـذا يُقـال فـي " الإمـام المزنـي " وغيـره مـن أتبـاع الشـافعي وغيـره .

ولـو ذهبنـا نضـرب علـى ذلـك الأمثلـة لطـال بنـا الكـلام . ‏

وخلاصـــة القـــول : ‏

‏..... ، فإنما أخذنـا هـذا المنهـج (2) منهـم ـ أي مـن الأئمـة الأربعـة وغيرهـم ـ ‏كمـا سـبق بيانـه . ‏
فَمَـنْ أعـرض عـن الاهتـداء بهـم فـي هـذا السـبيل ؛ فهـو علـى خطـر عظيـم ؛ ‏لأنـه يسـتلزم الإعـراض عـن السـنة ، وقـد أُمِرْنَـا عنـد الاختـلاف بالرجــوع ‏إليهـا والاعتمـاد عليهـا ؛ كمـا قـال تعالـى :

‏{ فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ ‏يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيماً } . ‏سورة النساء / آية : 65 . ‏

أسـأل الله تعالـى أن يجعلنـا ممـن قـال فيهـم : ‏

‏{ إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ ‏أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِـعِ اللهَ ‏وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ } .

‏سورة النور / آية : 51 ، 52 .‏
مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 55 . ‏



‏----------------‏
‏( 1 ) كتب الفروع : أي كتب الفقه . ‏
‏( 2 ) هذا المنهج : المقصود به اتباع الكتاب والسنة الصحيحة .‏
 
__________________ 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.