الثلاثاء، 1 مارس 2011

أوقاتنا .... أعمارنا

المبحـــث الرابـــع ‏
‏==============‏
محاســـبة النفـــس ‏
==============


محاسـبة النفـس أمـر عظيـمٌ جـدًا ، والمحاسـبة لا تصلـح النفـس إلا بهـا ، والمحاسـبة هـي التـي مـن ‏قـام بهـا اليـوم أَمِـنَ غـدًا ، المحاسـبة أن تنظـر فـي نفسـك وتتأمـل فيهـا وتعـرف عيوبهـا ، ‏المحاسـبة لا نجـاة إلا بهـا . ‏

ومحاسـبة النفـس طريقـة المؤمنيـن وسِـمة الموحديـن وعنـوان الخاشـعين ، فالمؤمـن متـقٍ لربـه ‏محاسـب لنفسـه مسـتغفرٌ لذنبـه ، يعلـم أن النفـس خطرهـا عظيـم ، ومكرهـا كبيـر ، فهـي أمـارة ‏بالسـوء ميالـة إلـى الهـوى ، .......
فمـن تـرك سـلطان النفـس حتـى طغـى فإنـه لـه يـوم القيامـة ‏مـأوى مـن الجحيـم . قـال تعالـى : ‏
‏{ فَأَمَّـا مَـن طَغَـى * وَآثَـرَ الْحَيَـاةَ الدُّنْيَـا * فَـإِنَّ الْجَحِيـمَ هِيَ الْمَـأْوَى * وَأَمَّـا مَنْ خَافَ ‏مَقَـامَ رَبِّـهِ وَنَهَـى النَّفْـسَ عَـنِ الْهَـوَى * فَـإِنَّ الْجَنَّـةَ هِـيَ الْمَأْوَى } . ‏
سورة النازعات / آية : 37 ـ 41 . ‏
وقـال تعالـى : ‏
‏{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا اتَّقُـوا اللهَ وَلْتَنظُـرْ نَفْـسٌ مَّـا قَدَّمَـتْ لِغَـدٍ ... } .
سورة الحشر / آية : 18 . ‏
قـال الشـيخ عبـد الرحمـن السـعدي فـي تفسـير هـذه الآيـة : ‏
‏" وهـذه الآيـة الكريمـة أصـل فـي محاسـبة العبـد لنفسـه وأنـه ينبغـي لـه أن يتفقدهـا فـإن رأى زلـلاً ‏تداركـه بالإقـلاع عنـه والتوبـة (1) النصـوح والإعـراض عـن الأسـباب الموصلـة إليـه ، وإن رأى نفسـه ‏مقصـرًا فـي أمـرٍ مـن أوامـر الله بـذل جهـده واسـتعان بربـه فـي تتميمـه وتكميلـه وإتقانـه ، ‏ويقايـس بيـن مِنـن الله عليـه وإحسـانه وبيـن تقصيـره هـو فـي حـق الله ، فـإن ذلـك يوجـب الحيـاء ‏لا محالـة ، والحرمـان كـل الحرمـان أن يغفـل العبـد عـن هـذا الأمـر ..... " . ‏
سلسلة أعمال القلوب / محمد بن صالح المنجد / ص : 263 / بتصرف . ‏
أقســـام النفـــس
‏=============‏


قـد وصـف الله النفـس فـي القـرآن الكريـم بثلاثـة أوصـاف : ‏
‏ المطمئنـــة ، واللوامـــة ، والأمـــارة بالســـوء .‏

أ ـ النفــس المطمئنــة : ‏
----------------

فالنفـس إذا سـكنت إلـى الله واطمأنـت بذكـره وأنابـت إليـه واشـتاقت إلـى لقائـه وأنسـت بقربـه فهـي ‏نفـس مطمئنـة ، وهـي التـي يقـال لهـا عنـد الوفـاة : ‏

{ يَـا أَيَّتُهَـا النَّفْـسُ الْمُطْمَئِنَّـةُ * ارْجِعِـي إِلَـى رَبِّـكِ رَاضِيَـةً مَّرْضِيَّـةً * فَادْخُلِـي فِـي ‏عِبَـادِي * وَادْخُلِـي جَنَّتِـي } . سورة الفجر / آية : 27 ـ 30 . ‏

وحقيقـة الطمأنينـة : " السـكون والاسـتقرار" ، فسـكنت إلـى ربهـا نتيجـة لطاعتـه وذكــره واتبـاع ‏أمـره ، ولـم تسـكن إلـى سـواه . ‏

ب ـ النفــس الأمــارة بالســوء : ‏
----------------------

وهـي علـى الضـد مـن النفـس المطمئنـة ، فهـي تأمـر صاحبهـا باتبـاع الشـهوات مـن الغـي ‏والباطـل فهـي مـأوى كـل سـوء ، تقـوده إلـى القبيـح والمكـروه .

والنفـس أصـلاً خُلقـت ظالمـة جاهلـة إلا مـن رحمـة الله ، قـال تعالـى : ‏

{ إِنَّا عَرَضْنَـا الأَمَانَـةَ عَلَـى السَّـمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَـالِ فَأَبَيْـنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ‏وَحَمَلَهَـا الإِنسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومـاً جَهُـولاً } . سورة الأحزاب / آية : 72 .‏
ولكـن أوجـد عندهـم الاسـتعداد الفطـري لقبـول الحـق إذا عُـرِض عليهـم بغيـر مؤثـرات خارجيـة ‏مفسـدة { ... فِطْـرَةَ اللهِ الَّتِـي فَطَـرَ النَّـاسَ عَلَيْهَـا ... } . سورة الروم / آية : 30 . ‏

لكـن بـدون تعلـم ؛ النفـس تبقـى جاهلـة فيهـا هـوى ، ولـو تركـت بـدون تربيـة وترويـض تدعـو ‏إلـى الطغيـان وتميـل إلـى الشـر .‏

فالإنسـان ظلـوم جهـول ، إلا مـن رفـع الجهـل بالعلـم ، ورفـع الظلـم بالعـدل ، وألـزم نفسـه العلـم ‏والعـدل فقـام عليهـا بهمـا فعنـد ذلـك تُلْهـم رشـدها وتتوقـى الظلـم والجهـل ، ولـولا فضـل الله ‏ورحمتـه علـى المؤمنيـن مـا زكـى منهـم نفـس واحـدة . ‏

قـال تعالـى : ‏
‏{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا لاَ تَتَّبِعُـوا خُطُـوَاتِ الشَّـيْطَانِ وَمَـن يَتَّبِـعْ خُطُـوَاتِ الشَّـيْطَانِ فَإِنَّهُ ‏يَأْمُـرُ بِالْفَحْشَـاء وَالْمُنكَـرِ وَلَـوْلاَ فَضْـلُ اللهِ عَلَيْكُـمْ وَرَحْمَتُـهُ مَـا زَكَـا مِنكُـم مِّـنْ أَحَـدٍ ‏أَبَـداً وَلَكِـنَّ اللهَ يُزَكِّي مَـن يَشَـاءُ وَاللهُ سَـمِيعٌ عَلِيـمٌ } .
سورة النور / آية : 21 . ‏
فـإذا أراد الله بهـا خيـرًا جعــل لهـا اتجاهـًا إلـى العلــم ومجاهـدة فـي العـدل . وسـبب الظلـم فـي ‏النفـس الأمـارة بالسـوء إما الجهـل وإما الحاجـة ، ولـذا كـان أمرهـا بالسـوء لصاحبهـا لازمـًا لهـا إلا ‏إذا أدركتـه رحمـة الله ، وبذلـك يعلـم العبـد أنه مضطـرٌ إلـى الله دائمـًا محتـاج إلـى ربـه قـال تعالـى : ‏

‏{ ... إِنَّ النَّفْـسَ لأَمَّـارَةٌ بِالسُّـوءِ إِلاَّ مَـا رَحِـمَ رَبِّـيَ ... } .
‏ سورة يوسف / آية : 53 .

فـإذًا الإنسـان محتـاج إلـى الـرب حتـى يُكْفـى شـر نفسـه ، لـذا كـان الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏ـ يكـرر فـي خطبـة الحاجـة : ‏
‏" ونعـوذ بالله مـن شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ..... " .
سلسلة أعمال القلوب / ... المنجد / ص : 265 / بتصرف . ‏

النفــس اللوامــة : ‏
--------------
قـال تعالـى : ‏

‏{ وَلاَ أُقْسِـمُ بِالنَّفْـسِ اللَّوَّامَـةِ } . سورة القيامة / آية : 2 . ‏
قـال بعضهـم : مـن التلُّـوم وهـو التلـون والتـردد ـ بيـن الخيـر والشـر ـ ، وقـال بعضهـم مـن ‏اللـوم ؛ وهـذا أرجـح . تلـوم صاحبهـا علـى الخيـر والشـر ، حتـى يـوم القيامـة يمكـن أن تلومـه ‏نفسـه ، إن كـان محسـنًا لمـاذا لـم يـزدد إحسـانًا ، وإن كـان مسـيئًا ، لمـاذا عمـل السـوء .‏
‏..... والنفـس قـد تكـون تـارة أمـارة بالسـوء ، وتـارة لوامـة ، وتـارة مطمئنـة . والحكـم للغالـب ‏عليهـا مـن أحوالهـا . ‏
سلسلة أعمال القلوب / محمد بن صالح المنجد / ص : 266 . ‏
صــور مــن محاســبة الصالحيــن لأنفســهم ‏
==============================


علـى كـل مسـلم أن يقـف مـع نفسـه وقفـة يحاسـبها فـي الدنيـا علـى كـل فعلـة فعلهـا وعلـى كـل ‏كلمـة قالهـا ، فـإن مـن حاسـب نفسـه فـي الدنيـا خـفَّ عليـه الحسـاب فـي الآخـرة . ‏

ولقـد كـان سـلفنا الصالـح يحاسـبون أنفسـهم حتـى عنـد سـكرات المـوت !!! .....‏

‏* عـن ابـن شُمـاسـةَ المَهْـرِيِّ ، قـال :

حَضَرْنَـا عمـرو بـنَ العـاصِ وهـو فـي سـياقةِ المـوتِ ، ‏فبكـى طويـلاً وحـوَّلَ وَجْهَـهُ إلـى الجـدار . فجعـل ابنُـهُ يقـول : يـا أبتـاهُ أمـا بشـركَ رسـولُ اللهِ ‏بكـذا ؟ أمـا بشـرك رسـول الله بكـذا ؟ . قـال : فأقبـل بوجهـه فقـال : إن أفضـلَ مـا نُعِـدُّ شـهادة أن لا ‏إله إلاَّ الله وأن محمـدًا رسـولُ اللهِ ، إنـي قـد كنـتُ علـى أطبـاقٍ ثـلاثٍ ، لقـد رأيتُنِـي ومـا أحـدٌ أشـدَّ ‏
بُغضـًا لرسـول الله مِنِّـي ، ولا أحــبَّ إلـيَّ أن أكـونَ قـد اسـتمكَنْـتُ مِنـهُ فقتلتُــهُ ، فلـو مُـتُّ علـى ‏تلـك الحـال لكنـتُ مـن أهـل النـار . فلمـا جعـل اللهُ الإسـلامَ فـي قلبـي أتيـتُ النبـيَّ فقلـتُ : ابْسُـطْ ‏يمينَـكَ فَـلأُ بايِعْـكَ ، فبسـط يمينـه . قـال : فقبضـتُ يـدي . ‏
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " مـا لَـكَ يـا عمـرو ؟ " . ‏
قـال : قلـت : أردتُ أنْ أشـترطَ . ‏
قـال : " تشـترط بمـاذا ؟ " . قلـتُ : أن يُغْفَـرَ لـي . ‏
قـال : " أمـا علمـت أن الإسـلام يهـدمُ مـا كـان قَبْلَـهُ ؟ وأن الهجـرةَ تهـدمُ مـا كـان قبلهـا ؟ وأن ‏الحـجَّ يهـدمُ مـا كـان قبلـه ؟ " . ‏

ومـا كـان أحـدٌ أحـبَّ إلـيَّ مِـنْ رسـول الله ولا أجَـلَّ فـي عينـي مِنْـهُ ، ومـا كنـتُ أُطِيـقُ أنْ أمـلأ ‏عينـي منـه إجـلالاً لـه ، ولـو سُـئِلْتُ أن أصِفَـهُ مـا أطَقْـتُ ، لأنـي لـم أكـنْ أمـلأُ عَيْنَـىَّ منـه ، ولـو ‏مُـتُّ علـى تلـك الحـال لرجـوتُ أن أكـون مـن أهـلِ الجنـة .

ثـم ولينـا أشـياءَ مـا أدرِي مـا حالـي فيهـا ، فـإذا أنـا مُـتُّ ، فـلا تَصْحَبْنِـي نائحـةٌ ولا نـارٌ ، فـإذا ‏دفنتمونـي فَشُـنُّوا علـيَّ التـرابَ شَـنّاً 0 ثـم أقِيمـوا حـول قبـري قَـدْرَ مـا تُنْحَـرُ جـزور ، ويُقْسَـمُ ‏لحْمُهَـا ، حتـى أسـتأنِسَ بكـم ، وأنظُـرَ مـاذا أُراجِـعُ بـه رُسُـلَ ربِّـي . ‏
‏ صحيح مسلم . متون / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 54 ) ـ باب : كون الإسلام يهدم ماقبله ..... / ‏ حديث رقم : 192 ـ ( 121 ) / ص : 39 .‏

‏* عـن أبـي عثمـان النهـدي ، عـن حنظلـةَ الأسـدي قـال : ( كـان مـن أصحـاب رسـول الله ـ صلى الله ‏عليه وعلى آله وسلم ـ ) قـال : لقينــي أبـو بكـر فقــال : كيـف أنـت ؟ يـا حنظلــة ! قـال :

قلـتُ نافـق حنظلـة . قـال : سـبحان الله ! ما تقـول ؟ قـال : قلـتُ : نكـونُ عنـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ‏يذكرنـا بالنـار والجنـة حتـى كأنـَّـا رأيَ عيـنٍ . فـإذا خرجنـا مـن عنـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله ‏وسلم ـ ، عَافسـنا الأزواج والأولاد والضيعـات ، فنسـينا كثيـرًا . قـال أبـو بكـر : فواللهِ إنَّـا لنلقـى مثـل ‏هـذا . فانطلقــتُ أنـا وأبـو بكــر ، حتـى دخلنـا علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . قلـتُ : ‏نافـق حنظلـة ، يـا رســول الله ! فقـال رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
"
مـا ذاك ؟ " . قلـت : يـا ‏رسـول الله ! نكـون عنـدَك ، تذكرنـا بالنـار والجنـة ، حتـى كأنـا رأيُ عيـنٍ ، فـإذا خرجنـا مـن عنـدِك ، ‏عَافسـنا الأزواجَ والأولاد والضيعـاتِ ، نسـينا كثيـرًا . فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : ‏

‏" والـذي نفسـي بيـده ! إنْ لـو تدومـون علـى مـا تكونـون عنـدي ، وفـي الذكـر ، لصافحتكـم الملائكـة ‏علـى فُرُشِـكُم ، وفـي طُرُقِكُـم ، ولكـن ، يـا حنظلـة ! سـاعة وسـاعة " ثـلاث مـرات . ‏
‏ صحيح مسلم . متون / ( 49 ) ـ كتاب : التوبة / ( 3 ) ـ باب : فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة ، والمراقبة ‏ وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا / حديث رقم : 12 ـ 2750 / ص : 695 . ‏
المبحـــث الخامـــس ‏
‏==============‏

وقفــات مــع الســـلف الصالــح
‏======================‏

ـ كانـوا رضـوان الله عليهـم يسـارعون بالخيـرات ، ويمتثلـون للحـق دون تـردد ، وينتهـون عـن ‏الباطـل دون تـردد ولا تسـويف ذلـك لأن قلوبهـم أيقنـت وأذعنـت لقـول الله ـ جـل وعـلا ـ : ‏

‏{ مَّـن كَـانَ يُرِيـدُ الْعَاجِلَـةَ عَجَّلْنَـا لَـهُ فِيهَـا مَـا نَشَـاء لِمَـن نُّرِيـدُ ثُـمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّـمَ ‏يَصْلاهَـا مَذْمُومـاً مَّدْحُـوراً * وَمَـنْ أَرَادَ الآخِـرَةَ وَسَـعَى لَهَـا سَـعْيَهَا وَهُـوَ مُؤْمِـنٌ فَأُولَئِـكَ كَانَ ‏سَـعْيُهُم مَّشْـكُوراً } . { سورة الإسراء / آية : 18 ، 19 ‏}

ـ وأيقنـت وأذعنـت لقـول رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : ‏
‏* عـن أنـس قـال : قـال رسـول الله :

"
مـن كانـت الآخـرة همـه جعـل الله غنـاه فـي قلبـه ، وجمـع ‏لـه شـمله وأتتـه الدنيـا وهـي راغمـة ، ومـن كانـت الدنيـا همـه جعـل الله فقـره بيـن عينيـه ، ‏وفـرَّقَ شـمله ، ولـم يأتـه مـن الدنيـا إلا مـا قُـدِّرَ لـه " .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / حديث رقم : 2465 / ص : 556 / صحيح . ‏

ـ وكانـو يشـعرون مـع كـل هـذا بـأن أعمالهـم ضئيلـة لا تصلـح أن يقفـوا بهـا بيـن يـدي الله ـ ‏جـل وعـلا ـ وذلـك لأنهـم يعلمـون أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : ‏

‏" لـو أن رجـلاً يُجـر علـى وجهـه مـن يـوم وُلـد إلـى يـوم يمـوت هَرَمـًا فـي مرضـاة الله تعالـى ‏لحقَـره يـوم القيامـة " .‏

{
رواه أحمد عن عتبة بن عبد . حسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في : صحيح الجامع ..... / ‏
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 5249 / ص : 931 }.‏

ـ وكـل ذلـك جعـل قلوبهـم رقيقـة ودموعهـم غزيـرة مـن خشـية الله تعالـى :‏
‏* عـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ قـال : خطـب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خطبـة مـا سـمعتُ ‏مثلهـا قـط قـال : ‏

‏" لـو تعلمـون مـا أعلـم لضحكتـم قليـلاً ولبكيتـم كثيـرًا " . فغطـى أصحـاب رسـول الله وجوهَهُـم لهـم ‏خنيـن .‏

{صحيح البخاري . متون / ( 65 ) ـ كتاب : تفسير القرآن / ( 12 ) ـ باب : قوله " لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبد لكم تسؤكم " سورة المائدة / آية : 101 / حديث رقم : 4621 / ص : 544 ‏}.
* عـن هانـئ مولـى عثمـانَ قـال : كـان عثمـان بـن عفــانَ ـ رضي الله عنه ـ إذا ‏وقــف علـى قبــر ‏‏ يبكـي حتـى يبُـل لحيتـه ، فقيـل لـه : تذكـر الجنـة والنـار ! فـلا تبكـي ، ‏وتبكـي مـن هـذا ؟ ! . ‏
‏ فقـال : إن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : ‏

" إن القبـر أول منـازِلِ الآخــرةِ ، فـإن نجـا منـه فمـا بعـدَه أيســرَ منـه ، وإن ‏لـم ينـجُ منـه فمـا ‏‏ بعـدَه أشـدُّ منـه " .‏

‏ قـال : وقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ : ‏
" مـا رأيـتُ منظـرًا قـطُّ إلا والقبـرُ أفظـعُ منـه " . ‏
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ‏‏( 37 ) ـ كتاب : الزهد / ‏
‏ ( 32 ) ـ باب : ذكر القبر والبلى / حديث رقم : 4267 / ص : 707 / حسن . ‏

يـروي سـالم بـن عبـد الله ـ رحمه الله ـ أن عمـر بـن الخطــاب كـان يُدخــل ‏يـده فـي دَبَــر ـ ( أي ‏قرحـة البعيـر ) ---> ( والمفـرد الدبـرة ) ـ البعيـر ويقـول : إنـي لخائـفٌ أن أسـأل ‏عمـا بـك .

‏ خبر صحيح ، أخرجه ابن سعد وابن عساكرعن طريقه . ‏
صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب / ص : 142 . ‏

§وكـان ـ ( أي عمـر بـن الخطـاب ) ـ يبكـي مـن خشـية الله تعالـى ، وربمـا مـرَّ ‏بالآيـة مـن ورده ‏بالليـل فتخنقـه ، فيبقـى فـي البيـت أيامـًا ، يُعـاد يحسـبونه مريضـًا !! . ‏
‏ خبر حسن لغيره . أخرجه أحمد في الزهد ، وابن عساكر ‏‏..... .‏
صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب / ص : 142 . ‏

§يقـص علينـا أبـو رافـع ـ رضي الله عنه ـ فيقـول : ‏

كـان أبـو لؤلـؤة عبـدًا للمغيـرة بن شـعبة ـ ( وكـان مجوسـيًّا ) ـ ، وكـان ‏يصنـع الأرحـاء ـ ( جمـع رَحَـا ، وهـي التـي يطحـن بها ) ـ ، وكان المغيـرة ‏يسـتغله كل يـوم أربعـة دراهـم ، قـال : فلقـي أبـو لؤلـؤة عمـر ، فقـال : يا أميـر ‏المؤمنيـن ، إن المغيـرة قد أثقـل عليَّ غلتـي ، فكلمـه أن يخفـف عنـي . ‏
فقـال لـه عمـر : اتـق الله ، وأحسـن إلـى مـولاك ، ومـن نيـة عمـر أن يلقـى ‏المغيـرة فيكلمـه يخفـف عنـه ، فغضـب العبـد . وقـال : وسـع النـاس كلهـم ‏عدلـه غيـري ؟ ! . ‏
فأضمـر علـى قتلـه (1) ، فاصطنـع خنجـرًا لـه رأسـان ، وشـحذه ، وسـمَّه ، ثـم ‏أتـى بـه الْهُرْمُـزان ،
فقـال : كيـف تـرى هـذا ؟ . قـال : أرى أنـك لا تضـرب بـه أحـدًا إلا قتلتــه ، ‏قــال : فتحيَّـن أبـولؤلـؤة عمـر ، فجـاءه فـي صـلاة الغـداة (2) حتـى قـام وراء عمـر ، وكـان عمـر ‏إذا أقيمـت الصـلاة يتكلـم يقـول : ‏

أقيمـوا صفوفكـم ، فقـال كمـا يقـول ، فلمـا كبَّـر ، وجـأه ـ أي ضربـه ـ أبـو ‏لؤلـؤة وجـأةً فـي كتفـه ، ووجـأهُ فـي خاصرتـه ، فسـقط عمـر ، وطعـن بخنجـره ‏ثلاثـة عشـر رجـلاً منهـم ، فهلـك منهـم سـبعة ، وأفـرق ـ أي : بـرأ ـ منهـم ‏سـتة ، وحُمـل " عمـر " فذُهِـبَ بـه إلـى منزلـه ، وهـاج النـاس حتـى كـادت ‏تطلـع الشـمس ، فنـادى عبـد الرحمـن بـن عـوف ، فصلـى بهـم بأقصـر ‏سـورتين فـي القـرآن . ‏

فلمـا قضـى صلاتَـه توجهـوا إلـى " عمـر " ، فدعـا بشـراب لينظـر مـا قـدْر ‏جُرحـه ، فأتـي بنبيـذ فشـربه ، فخـرج مـن جرحـه ، فلـم يـدر أنبيـذ هـو أو دم ‏جرحـه ، فدعـا بلبـن فشـربه ، فخـرج مـن جرحـه ، فقالـوا : لا بـأس عليـك يـا ‏أميـر المؤمنيـن . ‏

فقـال ـ ( أي عمـر ) ـ إن يكـن القتـل بأسًـا فقـد قُتلـت ، فجعلـوا يثنـون عليـه ‏يقولـون :

جـزاك الله خيـرًا يـا أميـر المؤمنيـن ، كنـتَ وكنـتَ ، ثـم ينصرفـون ، ‏ويجـيء قـوم آخـرون فيثنـون عليـه ، فقـال عمـر : أمـا والله علـى مـا يقولـون ‏، وددتُ أنـي خرجـتُ منهـا كفافًـا ، لا علـيَّ ولا لـي ، وأن صحبـة رسـول الله ـ ‏صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـد سـلمت لـي . ‏

فتكلـم " عبـد الله بـن عبـاس " ، وكـان عنـد رأسـه ، وكـان خليطَـه كأنـه مـن ‏أهلـه ، وكـان ابـن عبـاس يقـرأ القـرآن ، وتكلـم ابـن عبـاس فقـال :

والله لا تخـرج منهـا كفافًـا ، لقـد صحبـت رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ‏فصحبتـه بخيـر مـا صحبـه صاحـب ، كنـتَ لـه وكنـتَ لـه ، حتـى قُبـض رسـول ‏الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو عنـك راضٍ ، ثـم صحبـتَ خليفـة رسـول الله ـ ‏صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وكنـت تنفـذ أوامـره ، وكنـتَ لـه ، وكنـتَ لـه ، ثـم ‏وليتهـا يـا أميـر المؤمنيـن أنـت ، فوليتهـا بخيـر مـا وليهـا والٍ ، كنـت تفعـل ‏وكنـت تفعـل ، فكـان عمـر يسـتريح إلـى حديـث ابـن عبـاس . ‏
فقـال " عمـر " : يـا ابـن عبـاس ، كـرر علـيَّ حديثـك ، فكـرر عليـه . ‏
فقـال " عمـر " أمـا والله علـى مـا تقولـون ، لـو أن لـي طِـلاع ـ ( أي : ملؤهـا ) ‏ـ الأرض (3) ذهبًـا لافتديـتُ بـه اليـوم مـن هـول المطلـع . ‏

صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ... / ص : 369 : 371 . ‏
وكـان الفـاروق ـ رضي الله عنه ـ فـي حالتـه تلـك يثعـب ـ يجـري ـ جرحـه دمًـا ، ‏كمـا روى المسـور ـ رضي الله عنه ـ : أن عمـر لمـا طُعـن جعـل يغمـى عليـه ، ‏فقيـل : إنكـم لـن تفزعـوه بشـيء مثـل الصـلاة إن كانـت بـه حيـاة ، فقـال ابـن ‏عبـاس : الصـلاة يـا أميـر المؤمنيـن ، الصـلاةُ قـد صُليـت ، ‏فانتبـه ، فقـال : نعـم الصـلاة ، ولا حـظ فـي الإسـلام لمـن تـرك الصـلاة ، ‏فصلـى والجــرح يثعـبُ دمًـا . ‏

صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ، عمر بن الخطاب / ص : 377 .‏

ويقـول عثمـان بـن عفـان ـ رضي الله عنه ـ :

أنـا آخركـم عهـدًا " بعمـر " ، دخلـتُ ‏عليـه ، ورأسـه فـي حجـر ابنـه عبـد الله بـن عمـر فقـال لـه : ضـع خـدي ‏بالأرض . قـال : فهـل فخـذي والأرض إلا سـواءٌ ؟ ! . قـال : ضـع خـدي بالأرض لا ‏أم لـك ، فـي الثانيـة أو فـي الثالثـة ، ثـم شـبك بيـن رجليـه ، فسـمعته يقـول : ‏ويلـي ، وويـلُ أمـي إن لـم يغفـر اللهُ لـي ، حتـى فاضـت روحـه . ‏

وفـي لفـظ آخـر ، قـال عثمـان ـ رضي الله عنه ـ :
آخـر كلمـة قالهـا عمـر حتـى قضـى : ويلـي وويـل أمـي إن لـم يغفـر الله لـي ، ‏ويلـي وويـل أمـي إن لـم يغفـر الله لـي ، ويلـي وويـل أمـي إنْ لـم يغفـر الله ‏لـي . ‏

خبر صحيح . صحيح التوثيق في سيرة ... / ص : 383 . ‏

يقـول جريـر بـن عبـد الله :

كنـتُ عنـد معاويـة بـن أبـي سـفيان ، فقـال : توفـي النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله ‏وسلم ـ ، وهـو ابـن ثـلاث وسـتين سـنة ، وتوفـي أبـو بكـر ، وهـو ابـن ثـلاث ‏وسـتين سـنة ، وقُتـل عمـر وهـو ابـن ثـلاث وسـتين سـنة .
‏[ حديث صحيح أخرجه البخاري في التاريخ الصغير ( 1 / 30 ) ] . ‏
صحيح التوثيق ... / ص : 386 .‏
ـ طُعـن " عمـر بـن الخطـاب " ـ رضي الله عنه ـ ..... يـوم الأربعـاء لأربـع بقيـن ‏مـن ذي الحجـة ، سـنة ثـلاث وعشـرين ، ودُفـن يـوم الأحـد صبـاح هـلال ‏المحـرم سـنة أربـع وعشـرين . ‏
صحيح التوثيق ... / ص : 385 . ‏
هـذا هـو الخـوف الإيجابـي الـذي يعيـن المـرء علـى المزيـد مـن طاعـة الله ، ‏فليـس الخائـف مـن يبكـي وتسـيل دموعـه علـى خديـه ، ثـم يمضـي قُدمـًا فـي ‏معاصـي الله ، وإنمـا الخائـف هـو مَـنْ يتـرك مـا يخـاف منـه ابتغـاء مرضـاة الله ‏‏. ‏
يُتْبَع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.