المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه
فـــي
القـــــرآن
========
فـــي
القـــــرآن
========
معنــى " المُحْكَــم " :
=============
ـ اللُّغويـون يسـتعملون مـادة الإِحكـام ( بكسـر الهمـز ) فـي معـانٍ متعـددة ، لكنهـا مـع تعددهـا ترجـع إلـى شـيءٍ واحـد ، هـو : " المنـع " ؛ فيقولـون :
أَحْكَـمَ الأمـر -----> أي أتقنـه ومنعـه عـن الفسـاد
ويقولـون :
أحكـم الفـرس -----> أي جعـل لـه حَكَمَـةَ ، والْحَكَمَـة : مـا أحـاط بحنكـي الفـرس مـن لجامـه تمنعـه مـن الاضطـراب
وقيــل :
" آتـاه الله الحكمـة " -----> أي :
العـدل أو العلـم أو الحلـم أو النبـوة أو القـرآن ؛ لمـا فـي هـذه المذكـورات مـن الحوافـظ الأدبيـة الرادعـة عمـا لا يليـق .
{ مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 289 0 }
ـ إحكـام الكـلام -----> إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره .
( مباحث في علوم القرآن / ص : 215 )
معنــى " المُتَشَــابِه " :
==============
المتشـابه يَـرِد علـى معنييـن لُغَوييـن :
1 ـ إمـا مـن " الشُّـبْهَة " ----> وهـي الجهالـة وعـدم التمييـز .
فيكـون المتشـابه ضـد المحكـم 0
ـ كقولـه تعالــى :
" قَالُــوا ادعُ لَنَــا رَبَّــكَ يُبَيِّـن لَّنَــا مَـا هِـيَ إِنَّ البَقَــرَ تَشَـابَه عَلَينَـا "
{ سورة البقرة / آية : 70 }
- تشـابه علينـا ----> أي اختلـط علينـا ، فـلا نميـزه ولا نعلـم نوعيـة المطلـوب
ـ ومنـه قولـه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن حديـث النعمـان بـن بشـير :
" إن الحـلال بَيِّـن ، وإن الحـرام بَيِّـن ، وبينهمـا مشـتبهات لا يعلمهـن كثيـر مـن النـاس "
( رواه مسلم )
2ـ وإمـا مـن الشَّـبَه ----> وهـو : التماثـل فـي الأوصـاف .
ـ كقولـه تعالـى :
" وَأُتُـوا بِـهِ مُتَشَـابِهاً " (سورة البقرة / آية : 25 )
متشـابهاً ----> أي يشـبه بعضـه بعضـاً فـي اللـون أو الطعـم أو الرائحـة أو الكمـال والجـودة 0
ـ وكقولـه تعالـى :
" تَشَـابَهَت قُلُوبُهُـم "
{سورة البقرة / آية : 118 0 }
تشـابهت ----> أي يشـبه بعضهـا بعضـاً فـي الغـي والجهالـة . التوحيد ( ربيع أول 1422 )
المُحْكَــم والمُتَشَـابِه فــي القــرآن :
ـ ورد فـي القـرآن ما يـدل علـى أنه محكـم ؛ كقولـه تعالـى :
" الـر كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آياتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـت مِـن لَّـدُن حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ "
(سورة هود / آية : 1 )
ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أنـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى :
" اللهُ نَـزَّلَ أَحسَـنَ الحَدِيـثِ كِتَابـاً مُتَشَـابِهاً مَثَانِـيَّ تَقْشَـعِرّ مِنـهُ جُلُـودُ الَّذِيـنَ يَخشَـونَ رَبَّهُـم "
( سورة الزمر / آية : 23 )
ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أن بعضـه محكـم ، وبعضـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى :
" هُـوَ الَّـذِي أَنـزَلَ عَلَيـكَ الكِتَـابَ مِنـهُ آيَـاتٌ مُّحكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وأُخَـرُ مُتَشَـابِهاتٌ "
(سورة آل عمرآن / آية : 7 )
والسـؤال الـذي يطـرح نفسـه علـى الأذهـان :
س : كيـف يمكـن الجمـع بيـن هـذه الآيـات ؟ !
وقبـل الإجابـة علـى هـذا السـؤال ، نُـوِرد مقدمـة هامـة لفهـم المحكـم والمتشـابه :
إن الله عـز وجـل خاطبنـا بكـلام له معنـى ، فالقــرآن كـلام عربـي مكـون مـن ألفـاظ لهـا معـان يسـتوعبها صاحـب اللسـان العربـي ، ولا يسـتوعبها الأعجمـي .
فإذا قـال الله تعالـى :
" لَّقَـد رَضِـيَ اللهُ عَـنِ المُؤمِنيـنَ إِذ يُبَايِعُونَـكَ تَحـتَ الشَّـجَرَةِ "
( سورة الفتح / آية : 18 )
عَلِـمَ صاحـب اللســان العربـي معنـى كلمـة " شــجرة " ،
فـإن سـألتُهُ عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟
فإن كـان مِمَـنْ بايـع مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تحتهـا ، ربمـا وصفهـا لـك وصفـاً دقيقـاً لأنه رآهـا بعينـه ،
وإن لـم يكـن ـ منهـم ـ قـال : أنـا مـا رأيتهـا حتـى أصفهـا ، ولكنهـا شـجرة تبــدو فـي كيفيتهـا كأي شـجرة تنبـت فـي الصحـراء .
والحاصــل أنـه سـيصف كيفيـة الشـجرة مـن خـلال رؤيتهـا أو رؤيـة مثيلهـا .
فمعنـى لفـظ الشـجرة عنـد العربـي معلـوم واضـح محكـم ، يميـز بينه وبيـن لفـظ البقـرة أو غيـره مـن الألفـاظ.
لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " : مـا معنـى لفـظ " شـجرة " ، أو حتـى " بقــرة " ؟
عجـز عـن الجـواب لجهلـه بمعنـى الكـلام
وإذا قـال تعالـى :
" أَذَلِـكَ خيـرٌ نُـزُلاً أَم شَـجَرَةُ الزَّقُّـومِ "
(سورة الصافات / آية : 62 )
علم العربـي معنـى كلمـة شـجرة ، وأن المقصـود شجـرة معينـة تخـرج في أصـل الجحيـم ، أَعَـدَّها اللهُ للكافريـن .
لكـن لـو سـألناه عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟ !
لقـال : الله أعلـم ، فأنـا مـا رأيتهـا ، ومـا رأيـتُ لهـا مثيـلاً ، فكيـف أعـرف كيفهـا ؟ !
فأصبـح لفـظ " الشـجرة " محكمـاً لـه ، والكيفيـة التـي دل عليهـا اللفـظ مجهولـة أو غيـر معلومـة أو متشـابهة أو مختلطـة
لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " عـن معنـى لفـظ " شـجرة الزقـوم " ، لمـا تمكـن مـن الجـواب ؛ لأن المعنـى ليـس لديـه ومشـتبه عليـه ، لا يعرفـه أصـلاً ، وكذلـك كيفيتهـا متشـابهة عليـه مـن بـاب أولـى .
ممـا سـبق يمكـن تقسـيم المحكـم والمتشـابه إلـى :
1 ـ إحكـام عـام ، وتشـابه عـام .
2 ـ إحكـام خـاص ، وتشـابه خـاص.
أولاً : " الإحكــام العــام " و " التشـابه العــام "
الإحكــام العــام فــي الكــلام :
هـو إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره .
وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه " محكـم " علـى هـذا المعنـى .
قـال تعالـى :
" الـر ، كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آياتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ "
( سورة هود / آية : 1 )
وقـال تعالـى :
" الـر تِلـكَ آيَـاتُ الكِتَـابِ الحَكِيـمِ "
( سورة يونس / آية : 1 )
وقـال تعالـى :
" وَإِنَّـهُ فِـي أُمِّ الكِتَـابِ لَدَينَـا لَعَلِـيٌّ حَكِيـمٌ " (سورة الزخرف / آية : 4 )
التشــابه العــام فــي الكــلام :
هـو تماثلـه وتناسـبه بحيـث يصـدقُ بعضـه بعضـاً .
ـ وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه متشـابه علـى هـذا المعنـى .
قـال تعالـى :
" اللهُُ نَـزَّلَ أَحسَـنَ الحَدِيــثِ كِتَابـاً مُّتَشَـابِهًا مَّثَانِـيَ تَقْشَـعِرُّ مِنـهُ جُلُــودُ الَّذِيـنَ يَخشَـونَ رَبَّهُـم ثُـمَّ تَلِيـنُ جُلُودُهُـم وقُلُوبُهُـم إلى ذِكـرِ اللهِ ذَلِـكَ هُـدَى اللهِ يَهـدِي بِـهِ مَـن يَشَـاءُ وَمَـن يُضلِـلِ اللهُ فَمَـا لَـهُ مِـن هَـادٍ " (سورة الزمر / آية : 23 )
فالمتشـابه فـي الآيــة باعتبــار تماثلـه فـي الحُسْـن ، وفـي الآيــة دليـل علـى أن جميـع آيـات القـرآن لها معـانٍ مُحْكَمَـة معلومـة تُؤثـر فـي المسـتمعين ؛ لأنه لا يُعْقَـل أنْ تَقْشَـعِرّ الجلـود وتليـن القلـوب مـن كـلام مشـتبه ليـس لـه معنـى فـي نفـس السـامع .
* وكـل مـن المحكـم والمتشـابه بمعنـاه المطلـق ( العـام ) المتقـدم لا ينافـي الآخـر ،
فالقـرآن كلـه محكـم بمعنـى الإتقـان ، وهـو متشـابه أي متماثـل يشـبه بعضـه بعضـًا مـن حيـث الإتقـان . فـإن الكـلام المتقـن تتفـق معانيـه وإن اختلفـت ألفاظـه ، فإذا أمـر القـرآن بأمـر لـم يأمـر بنقيضـه فـي موضـع آخــر ، وإنمـا يأمـر بـه أو بنظيــره ، وكذلـك الشـأن فـي نواهيـه وأخبـاره فـلا تضـاد فيـه ولا اختـلاف .
قـال تعالـى :
" أَفَـلاَ يَتَدَبَّـرُونَ القُـرآنَ وَلَو كَـانَ مِـن عِنـدِ غَيـرِ اللهِ لَوَجَـدُوا فِيهِ اختِـلاَفاً كَثِيـراً "
( سورة النساء / آية : 82 )
{ مباحث في علوم القرآن / ص : 215 / بتصرف من مصادر أخرى }
********************
ثانيـًا : " الإحكــام الخــاص " و " التشــابه الخــاص "
الإحكـام الخـاص ----> هـو الوضـوح والظهـور فـي المعنـى
التشـابه الخـاص ----> هـو خفـاء المعنـى أو الكيـف .
وهـذا القســم يتمثـل فـي قولـه تعالـى :
" هُــوَ الَّـِذي أَنَــزلَ عَلَيـكَ الكِتَـابَ مِنـهُ آيَـاتٌ مُحكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ فَأَمَّـا الَّذِيـنَ فِـي قُلُوبِهِـم زَيـغٌ فَيَتَّبِعُـونَ مَا تَشَـابَهَ مِنـهُ ابتِغَـاءَ الفِتنـَـةِ وَابتِغَــاءَ تَأوِيلِـهِ وَمَـا يَعلَـمُ تَأوِيلَـهُ إِلاَّ اللهُ ، والرَّاسِـخُونَ فِـي العِلِـمِ يَقُولُـونَ آمَنـَّا بِـهِ كُـلٌّ مِّـن عِنـدِ رّبِّنَـا وَمَـا يَذَّكَّـرُ إِلاَّ أُولُـوا الأَلبـَابِ "
( سورة آل عمران / آية : 7 )
الإحكــام الخــاص
ويتمثـل فـي قولـه تعالـى :
" منـه آيـاتٌ محكمـات "
والإحكـام الـذي وصـف بـه سـبحانه ـ بعـض القـرآن هـو :
قيــل :
الوضـوح والظهـور .
بحيـث يكـون معنـاه واضحـًا بَيِّنـًا لا يشـتبه علـى أحـد.
وهـذا كثيـر فـي الأخبـار و الأحكـام.
ـ مثالـه فـي الأخبـار :
# قولـه تعالـى :
" شـهرُ رمضـانَ الـذي أُنـزِلَ فيـه القـرآنُ "
سورة البقرة / آية : 85 0
فكـل أحـد يعـرف شـهر رمضـان ، وكـل أحـد يعـرف القـرآن 0
ـ ومثالـه فـي الأحكـام :
# قولـه تعالـى : " 0000 وَبِالوَالِديـنِ إِحسَـانًا 000 " 0 سورة النساء / آية : 36 0
فكـل أحـد يعـرف والديـه ، وكـل أحـد يعـرف الإحسـان 0
# وقولـه تعالـى : " حُرِّمَـتْ عَلَيكـمُ المَيتَـةُ وَالــدَّمُ وَلحـمُ الخِنزِيـرِ وَمَـا أُهِـلَّ لِغَيـرِ اللهِ بِـهِ 0000 " 0 سورة المائدة / آية : 3 0
فكـل أحـد يعـرف معنـى : الميتـة ، والـدم ، ولحـم الخنزيـر ، ويعلـم حرمـة ذلـك 0
وقيــل :
الإحكــام :
هـو الوضـوح والظهــور فـي معنـى الآيـات دون الكيفيــة التـي دلـت عليهـا ؛ لأن القــرآن كلـه محكـم فـي معنـاه ، فهــو كــلام لـه معنـى ، وليـس كلامـًا أعجميـًّا أو ألغـازًا لا سـبيل إلـى فهمهـا , ولكـن مـن حيـث الكيـف فهنـاك آيـات محكمـات أي معلومـة الكيـف ، وأُخـر متشـابهات
فمـا عاينـه الإنسـان مـن الكيفيـات التـي تتعلـق ببعـض الأحكـام ، والتـي دلــت عليهـا ألفــاظ الآيـات ، ككيفيـة أداء الصـلاة ، وأفعـال الحـج ، فهـذا محكـم المعنـى والكيفيـة
أمـا الغيبيـات وحقائـق صفـات الله عـز وجـل ،
فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفـات ، لكننـا لا نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛
لقولـه تعالـى :
" وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلمـًا "
(سورة طه / آية : 110 )
وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه
( تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 0)
التشــابه الخــاص
التشـابه مـن الشـبهة وهـي الجهالـة وعـدم المعرفـة والتمييـز
ويتمثـل فـي قولـه تعالـى :
" وأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ " ( سورة آل عمران / آية : 7 0 )
والتشـابه الـذي وصـف بـه الله بعـض آيـات القـرآن نوعـان :
ـ النـوع الأول : " التشــابه الحقيقـي " :
وهــو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كالغيبيـات ، وكحقائـق صفـات الله عــز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفــات ، لكننـا لا نــدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ لقولـه تعالــى :
" وَلاَيُحِيطُـونَ بِـهِ عِلمـًا " ( سورة طه / آية : 110 )
ككيفيـة الاسـتواء فـي قولـه تعالـى :
" الرَّحمَـنُ عَلَـى العَـرشِ اسـتَوَى" (سورة طه / آية : 5 )
أو كيفيـة سـمعه وبصـره وتكليمـه وكيفيـة الأشـياء التـي فـي عالـم الغيـب ، فهـذا محكـم المعنـى متشـابه فـي الكيفيـة تشـابه حقيقـي ، فـلا يدخـل فـي المتشـابه معانـي الآيـات التـي وصـف الله بهـا نفسـه ، وإلا كانـت كلمـات جوفـاء بـلا معنـى ، تعالـى الله عـن ذلـك
وعلـى ذلـك فجميـع آيـات الصفـات محكمـة المعنـى متشـابهة فـي الكيفيـة فقـط تشـابه حقيقـي ، فجميــع آيـات الصفـات لهـا معانـي معلــوم عنـد الراسـخين فـي العلــم حسـب اجتهادهـم فـي تحصيلـه .
أمـا الكيـف فيفوضـون العلـم بـه لعـلام الغيـوب .
وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه
( تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 )
ـ النــوع الثانــي : " التشــابه النســبي " :
وهـو الاشـتباه أي خفـــاء المعنــى بحيـث يشـتبه علـى بعـض النــاس دون غيرهـم ، فيعلمــه الراسـخون فـي العلـم دون غيرهـم
( وهـذا تشـابه نسـبي ـ وهـذا النـوع يُسـأل عـن اسـتكشافه وبيانـه ؛ لإمكـان الوصـول إليـه )
وقـد انقسـم النـاس فـي ذلـك إلـى قسـمين :
القســم الأول :
الراسـخون فـي العلـم : ويقولـون :
" آمنـا بـه كـل مـن عنـد ربنـا "
وإذا كـان مـن عنــده ـ سـبحانه ـ فلـن يكـون فيـه اشـتباه يسـتلزم ضـلالاً أو تناقضـًا ، وَيَــرُدُّون المتشـابه إلـى المحكـم فصـار مـآل المتشـابه إلـى الإحكـام .
القســم الثانــي :
أهـــل الضــلال والزيـغ : وهــم يتبعـون المتشـابه ويجعلـوه مثـارًا للشـك والتشـكيك ، فَضَلُّـوا وأَضَلُّـوا .
وقـد يـؤدي هـذا التشـابه إلـى توهـم الواهـم :
ـ مـا لا يليـق بالله تعالـى ,
ـ أو مـا لا يليـق بكتـابه ,
ـ أو مـا لا يليـق برسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ,
ويفهـم العالـم الراسـخ فـي العلـم خـلاف ذلـك مـن المتشـابه.
فيمـا يتعلـق بالله تعالـى :
# مثـال أول :
أن يتوهـم واهـم من قولـه تعالـى :
" بَـل يَـدَاهُ مَبسُـوطَتَانِ " ( سورة المائدة / آية :64 )أن للـه يديـن مماثلتيـن لأيـدي المخلوقيـن .
نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع مُحْكَمـًا كالآتـي : الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن للـه تعالـى يديـن حقيقيتيـن علـى ما يليـق بجلالـه وعظمتـه ، لا تماثـلان أيـدي المخلوقيــن ، كمـا أن لـه ـ سـبحانه ـ ذاتـًا لا تماثـل ذوات المخلوقيـن ؛ لأن الله تعالـى يقـول :
" لَيـسَ كَمِثلِـهِ شَـيءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ " (سورة الشورى / آية : 11 ).
فـردّوا المتشـابه الـذي هـو ----> " بـل يـداه مبسـوطتان " الغيـر واضـح الدلالـة ، إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة الـذي هـو ----> " ليـس كمثلـه شـيءٌ وهـو السـميع البصيـر " .
ليصيـر الجميـع محكمـًا واضـح الدلالـة .
# مثــال ثــان :
أن يتوهـم واهـم مـن قولـه تعالـى :
" إِنَّـا نَحـنُ نُحيـيِ المَوتَـى " ( سورة يس / آية : 12 )
ومـن قولـه تعالـى :
" إِنَّـا نَحـنُ نَزَّلنَـا الذِكْـرَ وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظُـونَ " (سورة الحجر / آية : 9)
ونحوهمـا ممـا أضـاف الله فيـه الشـيء إلـى نفسـه بصفـة الجمـع .
ـ فاتبـع الضـال الـذي فـي قلبـه زيـغ هـذا المتشـابه وادَّعَـى تَعَـدُّد الآلهـة وتـرك المحكـم الـدال علـى أن الله واحـد .
ـ وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيحملـون الجمـع المتمثـل فـي لفظـة " نحـن "
علـى التعظيـم لتعـدد صفـات الله وعظمهـا ، ويـردُّون هـذا المتشـابه إلـى المحكـم فـي قولـه تعالـى :
" وَإِلَهُكُـم إِلَـهٌ وَاحِـدٌ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُـوَ "
( سورة البقرة / آية : 163 )
فيمـا يتعلـق بكتـاب الله :
# مثـال أول :
أن يتوهـم واهـم تناقـض القــرآن وتكذيـب بعضـه بعضـًا :
لقولـه تعالـى :
" مَـا أَصَابَـكَ مِـن حَسَنَـةٍ فَمِـنَ اللهِ وَمَـا أَصَابَـكَ مِـن سَـيِّئةٍ فَمِـن نَّفسِـكَ "
( سورة النساء / آية : 79)
ولقولـه تعالـى فـي موضـع آخـر :
" وَإِن تُصِبَهُـم حَسَـنَةٌ يَقُولُـوا هَـذِهِ مِـن عِنـدِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُـم سَـيِّئةٌ يَقُولُـوا هَـذِهِ مِـن عِنـدِكَ قُـل كُـلٌّ مِّـن عِنـدِ اللهِ " ( سورة النساء / آية : 78 )
فـرد هــذا النـص المتشـابه ، ظاهــر التناقــض إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي :
رأي أول :
الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن الحسـنة والسـيئة كلتاهمـا بتقديـر الله عـز وجـل ، لكن الحسـنة سـببها التفضـل مـن الله تعالـى علـى عبـاده ، أما السـيئة فسـببها فعـل العبـد ؛ كمـا قـال تعالـى : " وَمَـا أَصَابَكُـم مِّـن مُّصِيبَـةٍ فَبِمَـا كَسَـبَت أَيدِكُـم وَيَعفُـو عَـن كَثِيـرٍ "
(سورة الشورى آية : 30 )
فإضافـة السـيئة إلـى العبـد مـن إضافـة الشـيء إلـى سـببه ، لا مـن إضافتـة إلـى مقـدِّرِهِ ، أمـا إضافـة الحسـنة والسـيئة إلـى الله تعالـى فمـن بـاب إضافـة الشـيء إلـى مُقَـدِّرِهِ ، وبهـذا يـزول مـا يُوهِـم الاختـلاف بيـن الآيتيـن لانفكـاك الجهـة .
{ تفسير سورة البقرة / محمد صالح بن عثيمين / ج : 1 / ص : 48 }
-رأي ثــان :
قــال ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إن الله قَـدَّرَ مقاديـرَ الخلــقِ قبــل أن يخلـق السـموات والأرض بخمسـين ألـف سـنة "
(رواه مسلم / حديث رقم : 653 )
فـإرادة الله ـ سـبحانه تنقسـم إلـى قسـمين :
القســم الأول
إرادة كونيـة قدريـة
( كـن فيكـون )
وهـي المشـيئة ، ولا ملازمـة بينهـا وبيـن المحبــة والرضـا ـ أي محبـة الله ورضـا الله عنهـا ـ ،
بـل يدخــل فيهـا الكفــر والإيمـان ، ولا محيـص عنهـا
كقولـه تعالـى :
" فَمَـن يُـرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَـهُ يَشـرَح صَـدرَهُ لِلإِسـلامِ وَمَن يُـرِد أَن يُضِلَّـهُ يَجعَـل صَـدرَهُ ضَيِّقـًا حَرَجـًا " ( سورة الأنعام / آية : 125 )
فهـذه الآيـة تشمـل جميـع الخلـق ، فلابـد لكـل أحـد إمـا أن يشـرح الله صـدره للإسـلام ، وإمـا أن يجعـل صـدره ضيقـًا حرجـًا .
القســم الثانــي
إرادة دينيــة شـرعية
@ وهـي ـ مختصـة بمراضـي الله ومحابـه ، وعلـى مقتضاهـا أمــر عبـاده ونهاهـم ،
كقولـه تعالـى :
" يُرِيـدُ اللَّهُ لِيُبَيِّـنَ لَكُــم وَيَهدِيَكُـم سُـنَنَ الَّذِيـنَ مِـن قَبلِكُـم وَيَتُـوبَ عَلَيكُــم وَاللَّهُ عَلِيـمٌ حَكِيـمٌ " ( سورة النساء / آية : 26 )
وهـذه الإرادة تكـون فـي حـق المؤمـن الطائـع : فتجمـع الإرادة الكونيـة القدريـة ، والإرادة الدينيـة الشـرعية .
وتنفـرد الإرادة الكونيـة القدريـة فـي حـق الفاجـر العاصـي .
{ 200 سـؤال وجـواب فـي العقيـدة ( الحكمـي ) / ص : 84 0 }
# مثـال ثان :
أن يتوهـم واهـم تناقـض القـرآن وتكذيـب بعضهـم بعضـًا :
لقولـه تعالـى :
" إِنَّـكَ لاَ تَهـدِي مَـن أَحْبَبْـتَ " (سورة القصص / آية : 56 )
ولقولـه تعالـى : "
وَإِنَّـكَ لَتَهـدِي إلـى صِـرَاطٍ مُّسـتَقِيمٍ " (سورة الشورى / آية : 52 )
ففـي الآيتيـن موهـم تعـارض ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه زيـغ ويظـن بينهمـا تناقضـًا وهـو النفـي
فـي الأولـى ، والإثبـات فـي الثانيـة!!!!
وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيقولـون :
لا تناقـض فـي الآيتيـن :
= فالمـراد بالهدايــة فـي الآيــة الأولـى ----> هدايـة التوفيـق ,
وهـذه لا يملكهـا إلا الله وحـده ، فـلا يملكهـا الرسـول ولا غيـره .....
والمـراد بهـا فـي الآيـة الثانيـة ----> هدايـة الدَّلالـة ,
وهـذه تكـون من الله تعالـى ؛ ومن غيـره ..... فتكـون مـن الرسـل وورثتهـم مـن العلمـاء الربانييـن .
فيمـا يتعلـق برسـول الله
ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ
ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ
قـد يتوهـم الواهـم مـا لا يليـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
# مثـال ذلــك :
قولـه تعالـى لنبيــه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" فَـإِن كُنـتَ فـي شَـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلنَـا إِلَيــكَ فاسـألِ الَّذِيـنَ يَقـرءُونَ الكِتَـابَ مِـن قَبلِـكَ لَقَـد جَـاءَكَ الحَـقُّ مِـن رَّبِّـكَ فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُمتَرِيـنَ "
( سورة يونس/ آية : 94 )
ففـي الآيـة ما يوهـم وقـوع الشـك مـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أُنـزِلَ إليـه ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه مـرض ؛ فيدَّعـي أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقـع منـه ذلـك ، فيطعـن فـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
ونـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي :
الراسـخون فـي العلـم يقولـون :
إن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شَـكٌّ فيمـا أُنـزِلَ إليـه ، بـل هـو أعلـم النـاس بالقـرآن ، وأقواهـم يقينـًا كمـا قـال الله تعالـى فـي نفـس السـورة :
" قُــل يَا أَيُهَـا النَّـاسُ إِن كُنتُـم فـي شَـكٍ مِّـن دِينِـي فَـلاَ أَعبُـدُ الَّذِيـنَ تَعبُـدُونَ مِـن دُونِ اللَّهِ " ( سورة يونس / آية : 104 )
أي إن كنتـم فـي شـكٍّ ـ [ مـن دينـي ] ـ فأنـا علـى يقيـن منـه ، ولهـذا لا أعبـد الذيـن تعبـدون مـن دون الله ، بـل أكفـر بهـم وأعبـد الله .
ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى :
" فَإِن كُنـتَ فـي شـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلنَـا إِلَيـكَ " سورة يونس / آية : ( 94 ) ،
أن يكـون الشــكُّ جائـزًا علـى الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو واقعـًا منـه
ألا تـرى قولـه تعالـى :
" قُـل إِن كَـانَ للرَّحمَـنِ وَلَـدٌ فَأنَـا أَوَّلُ العَابِدِيـنَ " ( سورة الزخرف / آية : 81 )-
هـل يلـزم منـه أن يكـون الولـد جائـزًا علـى الله تعالـى أو حاصـلاً ؟ !
كـلا ؛ فهـذا لم يكـن حاصـلاً ، ولا جائـزًا على اللهِ تعالـى ، لقولـه تعالـى :
" وَمَا يَنبَغِـي لِلرَّحمَـنِ أَن يَتَّخِـذَ وَلَـدًا 0 إِن كُـلُّ مَـن فـي السَّـموَاتِ وَالأَرضِ إِلاَّ آتِـي الرَّحمَـنِ عَبـدًا " 0 ( سورة مريم / آية : 92 ، 93 )
ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى :
" فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُمتَرِيـنَ " { سورة البقرة / آية : 147 ، سورة يونس / آية : 94 }
أن يكـون الامتـراء ـ ( أي الشـك ) ـ واقعـًا من الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأن النهـي عـن الشـيء قـد يوجـه إلـى مـن لـم يقـع منـه ، ألا تـرى قولَـهُ تعالـى :
" وَلاَ يَصُدُّنَّـكَ عَـن آيَـاتِ اللَّهِ بَعـدَ إِذ أُنزِلَـتْ إِلَيـكَ وَادْعُ إِلَـى رَبِـكَ وَلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُشْـرِكِينَ " ( سورة القصص / آية : 87 )
ومـن المعلـوم أنهـم لـم يصـدُّوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن آيـات الله ، وأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شـرك .
والغـرض مـن توجيـه النهـي إلـى مَـنْ لا يقـع منـه : التنديـد بِمَـنْ وقـع منهـم ، والتحذيـر مـن منهاجهـم ، وبهـذا يـزول الاشـتباه ، وظَـنّ مـا لا يليـق بالرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
{ تفسـير القـرآن الكريـم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 }
فـائــدة :
" إن كنـتَ فـي شـكٍّ " ؛ فـي لغـة العـرب : اسـتجازة العـرب قـول القائـل منهـم لابنـه " إن كنـتَ ابنـي فَبِرِّنـي " ، وهـو لا يشـك فـي أنـه ابنـه .
منشــأ التشــابه وأقســامه وأمثلتــه
نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالاً ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه ؛ أمـا تفصيـلاً فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا
فالقســـم الأول :
وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده :
منه " مفـرد " و " مركـب "
والمفــرد
قـد يكــون الخفــاء فيـه ناشــئًا :
= مـن جهـة " غرابتــه " ، أو
= مِـن جهــة " اشـتراكه " .
والمركــب
قـد يكـون الخفــاء فيـه ناشــئًا :
= مـن جهـة " اختصـاره " ، أو
= مـن جهــة " بسـطه " ، أو
= مـن جهـة " ترتيبـه " .
مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونــدرة اسـتعماله :
لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه :
" وفاكهـةً وأبـًّا " [ سورة عبس / آية : 31 ]
وهــو ما ترعـاه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك :
" متاعـًا لكـم ولأنعامكـم " [ سورة عبس / آية : 32 ]
ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة :
لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه :
" فـراغ عليهـم ضربـًا باليميـن " [ سورة الصافات / آية : 93 ]
أي فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا شـديدًا بالقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لها بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا القـرآن إذ قـال :
" وتـا الله لأكيـدنَّ أصنامكـم بعـدَ أن تولـوا مدبريـن " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ]
كل ذلـك جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا .
ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره :
قولـه تعالـى :
" وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى فانكحـوا مـا طـاب لكـم مـن النسـاء "
[ سورة النساء / آية : 3 ]
فإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل :
" وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء "
= ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن ما طـاب لكـم .
= وقيـل إن القـوم كانـوا يتحرَّجـون مـن ولايـة اليتامـى ولا يتحرجـون مـن الزنـى ، فأنــزل الله الآيـة .
= ومعنـاه :
إن خفتـم الجَـوْر فـي حـق اليتامـى فخافـوا الزنـى أيضـًا ، وتبدلـوا بـه الـزواج
الـذي وسـع الله عليكـم فيـه ، فانكحـوا ما طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث وربـاع .
ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه :
قولـه جلْـت حكمتـه :
" ليـس كمثلـه شـيء " [ سورة الشورى / آية 11 ]
فـإن حـرف الكـاف لو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة مـا يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام .
ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه :
قولـه جـل ذكـره:
" الحمـد للهِ الـذي أنـزل علـى عبـده الكتـابَ ولـم يجعــل لـه عِوَجـًا * قَيِّمـًا "
[ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ]
فـإن الخفـاء هنـا جــاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " ومـا قبلـه ولـو قيـل : " أنـزل علـى عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولـم يجعـل لـه عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا .
واعلـم أن فـي مقدمـة هـذا القسـم فواتـح الســور المشـهورة ، لأن التشـابه والخفــاء فـي المـراد منهـا ، جـاء مـن ناحيـة ألفاظهـا لا محالـة .
والقســم الثانـي :
وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده :
مثالـه :
كـل ما جـاء فـي القـرآن الكريـم :
= وصفـًا لله تعالـى ، أو
= لأهـوال القيامـة ، أو
= لنعيـم الجنـة وعـذاب النـار ؛
فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار .
وكيـف السـبيل إلـى أن يحصـل فـي نفوسـنا صـورة ما لـم نحسُّـه ، ومـا لـم يكـن فينـا مثلـه ولا جنسـه ؟
واعلـم أن فـي مقدمــة هـذا القسـم المشـكلات المعروفـة بمتشـابهات الصفـات ؛ فـإن التشـابه والخفــاء لـم يجـيء مـن ناحيـة غرابــة فـي اللفــظ أو اشـتراك فيـه بيـن عـدة معـان أو لإيجـاز أو إطنـاب مثـلاً ، فيتعيـن أن يكـون مـن ناحيـة المعنـى وحـده .
القســـم الثالــث :
وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا :
مثالـه :
قولـه تعالـى :
" وليـسَ البِــرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا " [ سورة البقرة / آية : 189 ]
فإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه ..
وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـن بـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله :
" وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون "
( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام 0
( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر0
فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيـل :
" وليـس البـر بأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة "
ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه .
( مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 )
نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالاً ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه ؛ أمـا تفصيـلاً فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا
فالقســـم الأول :
وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده :
منه " مفـرد " و " مركـب "
والمفــرد
قـد يكــون الخفــاء فيـه ناشــئًا :
= مـن جهـة " غرابتــه " ، أو
= مِـن جهــة " اشـتراكه " .
والمركــب
قـد يكـون الخفــاء فيـه ناشــئًا :
= مـن جهـة " اختصـاره " ، أو
= مـن جهــة " بسـطه " ، أو
= مـن جهـة " ترتيبـه " .
مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونــدرة اسـتعماله :
لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه :
" وفاكهـةً وأبـًّا " [ سورة عبس / آية : 31 ]
وهــو ما ترعـاه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك :
" متاعـًا لكـم ولأنعامكـم " [ سورة عبس / آية : 32 ]
ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة :
لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه :
" فـراغ عليهـم ضربـًا باليميـن " [ سورة الصافات / آية : 93 ]
أي فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا شـديدًا بالقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لها بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا القـرآن إذ قـال :
" وتـا الله لأكيـدنَّ أصنامكـم بعـدَ أن تولـوا مدبريـن " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ]
كل ذلـك جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا .
ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره :
قولـه تعالـى :
" وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى فانكحـوا مـا طـاب لكـم مـن النسـاء "
[ سورة النساء / آية : 3 ]
فإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل :
" وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء "
= ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن ما طـاب لكـم .
= وقيـل إن القـوم كانـوا يتحرَّجـون مـن ولايـة اليتامـى ولا يتحرجـون مـن الزنـى ، فأنــزل الله الآيـة .
= ومعنـاه :
إن خفتـم الجَـوْر فـي حـق اليتامـى فخافـوا الزنـى أيضـًا ، وتبدلـوا بـه الـزواج
الـذي وسـع الله عليكـم فيـه ، فانكحـوا ما طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث وربـاع .
ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه :
قولـه جلْـت حكمتـه :
" ليـس كمثلـه شـيء " [ سورة الشورى / آية 11 ]
فـإن حـرف الكـاف لو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة مـا يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام .
ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه :
قولـه جـل ذكـره:
" الحمـد للهِ الـذي أنـزل علـى عبـده الكتـابَ ولـم يجعــل لـه عِوَجـًا * قَيِّمـًا "
[ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ]
فـإن الخفـاء هنـا جــاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " ومـا قبلـه ولـو قيـل : " أنـزل علـى عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولـم يجعـل لـه عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا .
واعلـم أن فـي مقدمـة هـذا القسـم فواتـح الســور المشـهورة ، لأن التشـابه والخفــاء فـي المـراد منهـا ، جـاء مـن ناحيـة ألفاظهـا لا محالـة .
والقســم الثانـي :
وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده :
مثالـه :
كـل ما جـاء فـي القـرآن الكريـم :
= وصفـًا لله تعالـى ، أو
= لأهـوال القيامـة ، أو
= لنعيـم الجنـة وعـذاب النـار ؛
فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار .
وكيـف السـبيل إلـى أن يحصـل فـي نفوسـنا صـورة ما لـم نحسُّـه ، ومـا لـم يكـن فينـا مثلـه ولا جنسـه ؟
واعلـم أن فـي مقدمــة هـذا القسـم المشـكلات المعروفـة بمتشـابهات الصفـات ؛ فـإن التشـابه والخفــاء لـم يجـيء مـن ناحيـة غرابــة فـي اللفــظ أو اشـتراك فيـه بيـن عـدة معـان أو لإيجـاز أو إطنـاب مثـلاً ، فيتعيـن أن يكـون مـن ناحيـة المعنـى وحـده .
القســـم الثالــث :
وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا :
مثالـه :
قولـه تعالـى :
" وليـسَ البِــرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا " [ سورة البقرة / آية : 189 ]
فإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه ..
وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـن بـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله :
" وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون "
( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام 0
( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر0
فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيـل :
" وليـس البـر بأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة "
ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه .
( مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 )
الخلاصــــة :
المتشــابه:
لـو كـان القـرآن كلـه محكمًـا:
= لفاتـت الحكمـة مـن الاختبـار بـه تصديقًـا وعمـلاً لظهـور معنـاه ،
= وعـدم المجـال لتحريفــه والتمسـك بالمتشـابه ابتغــاء الفتنــة وابتغـاء تأويلـه ،
ولـو كـان كلُّـه متشـابهًا
= لفـات كونـه بيانـًا ، وهـدى للنـاس ،
= ولمـا أمكـن العمـل بـه ، وبنـاء العقيــدة السـليمة عليـه ،
ولكـن الله تعالـى بحكمتـه جعـل منه آيـات محكمـات ، يُرْجَـع إليهـن عنـد التشـابه ،
وأُخَـر مشـابهات امتحانًـا للعبـاد ؛ ليتبيـن صـادق الإيمـان ممـن فـي قلبــه زيـغ .
فـإن صـادق الإيمـان يعلـم أن القـرآن كلـه مـن عنـد الله تعالـى ، ومـا كـان مـن عنـد الله فهـو حــق ، ولا يمكـن أن يكـون فيـه باطـل ، أو تناقـض لقولـه تعالـى :
" لاَّ يَأْتِيِـه الْبَاطِـلُ مِـن بَيْـنِ يَدَيـهِ وَ لاَ مِـن خَلْفِـهِ تَنزِيـلٌ مِّـنْ حَكِيـمٍ حَمِيـدٍ "
( سورة فصلت / آية : 42 )
وأما مـن فـي قلبـه زيـغ فيتخـذ مـن المتشـابه سـبيلاً إلـى :
- تحريـف المحكـم
- واتبـاع الهـوى فـي التشـكيك فـي الأخبـار
- والاسـتكبار عـن الأحكـام ،
ولهـذا تجـد كثيـرًا مـن المنحرفيـن فـي العقائـد والأعمـال ، يحتجـون علـى انحرافهـم بهـذه الآيـات المتشـابهة .
{ تفسـير القـرآن الكريـم / سـورة البقـرة / ج : 1 / ص : 51 }
# ومـن حِكَـم تنـوع القـرآن إلـى محكـم ومتشـابه :
نقـل السـيوطي عـن الكرمانـي فـي غرائبـه أنه قـال :
" إن قيـل :
ما الحكمـة فـي إنـزال المتشـابه ممـن أراد لعبـاده البيـان والهـدى ؟
قلنـا :
إن كـان ( أي المتشـابه ) ممـا يمكـن علمـه فلـه فوائـد :
ـ منهـا الحـث للعلمـاء علـى النظـر الموجـب للعلـم بغوامضـه والبحـث عـن دقائقـه ، فـإن اسـتدعاء الهمـم لمعرفـة ذلـك مـن أعظـم القُـرَب .
ـ ومنهـا ظهــور التفاضــل وتفـاوت الدرجـات ؛ إذ لـو كـان محكمًـا لا يحتـاج إلـى تأويـل ونظــر لاسـتوت منـازل الخلـق ، ولـم يظهـر فضـل العالـم علـى غيـره.
وإنَ كـان ( أي المتشـابه ) ممـا لا يمكـن علمـه ( بـأن اسـتأثر الله بـه ) ، فلـه فوائـد :
ـ منهـا ابتـلاء العبـاد بالوقـوف عنـده
- والتوقـف فيـه
- والتفويـض والتسـليم ،
{ مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 319 }
# تســـاؤلات والـــرد عليهــا :
س : هـل كـل مـن يتبـع المتشـابه يُحْكَـم عليـه بأنـه فـي قلبـه زيـغ ؟ !
ج : لا .
ـ إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنـص المتشـابه ، فإنـه ليـس علـى سـبيل الإطـلاق يُحكـم عليـه بأنـه مـن الذيـن يوصفـون بـأن فـي قلوبهـم زيـغ ، فقـد يكـون " المتشـابه " عنـده " محكـم " وذلـك بعـد اجتهـاده وبحثـه وصدقـه فـي طلـب الحـق وفـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا أمـر يُوكَــل إلـى عَـلاَّم الغيـوب الـذي يعلـم مـا تخفـي الصـدور ، بـل قـد يكـون هـذا الشـخص عنـد الله مأجـورًا وإن أخطـأ!!!!
ـ وأمـا إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنــص المتشـابه ، تَرَخُّصًـا واتباعـًا للهـوى أو المصلحـة أو غيـر ذلـك ـ بينمـا أمامـه النصـوص المحكمــة واضحـة الدَّلالـة ، فهـذا علـى خطـر عظيـم ، والله أعلـم بحالـه ، وقـد يُعَـدّ ممـن يوصـف بأنـه فـي قلبـه زيـغ .
س : هـل المحكـم والمتشـابه يكـون فـي آيـات القـرآن الكريـم فقـط ؟ !
ج : لا .
المحكـم والمتشـابه قـد يكـون أيضًـا فـي الأحاديـث النبويـة :
# وأمثلـة ذلـك :
ـ نـوم ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ مـع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وزوجتـه في فـراش واحـد !!!
ـ تحديـث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ لأحـد الصحابـة بأمـر شـخصي !!!!
عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
{ قَبَّــلَ امـرأة مـن نسـائه ثـم خـرج إلـى الصـلاة ولـم يتوضـأ }
قـال عـروة : فقلـتُ لهـا : مـن هـي إلا أنـت ؟ .... فضحكـتْ .
{ صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / حديث رقم : 165}
هـذا المُـزَاح بيـن أم المؤمنيـن عائشـة ـ رضي الله عنها وهـذا الصحابـي يثيـر الشـبهات !!!!!!!
قاعـــدة :
ـ إذا كان لدينـا نصـوص محكمـة وأخـرى متشـابهة ، وليـس لدينـا وسـيلة أو أي أدوات للترجيـح ، فعلينـا أن نتهـم أنفسـنا بعـدم الإلمـام بكـل النصــوص الخاصـة بهـذه المسـألة ، وألا نحيـد عـن المحكـم فـي هـذه المسـألة إلـى المتشـابه فيهـا.
ـ وعنـد تعـارض قـول أو فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـع قـول أو فعـل غيـره ، فـلا يجـوز تـرك قـول أو فعـل النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأحـد كائنًـا مـن كـان ، سـواء كـان صاحبيًّـا جليـلاً أو عالمـًا جليـلاً 0 وهـذا هـو منهـج الصحابـة الكـرام.
* عـن صالـح بـن كيسـان عـن ابـن شـهاب أن سـالم بـن عبـد الله حدثـه أنـه سـمع رجـلاً مـن أهـل الشـام ، وهـو يسـأل عبـد الله بـن عمــر عـن التمتـع بالعمـرة إلـى الحـج ، فقـال عبـد الله ابـن عمـر :
هـي حـلال .. فقـال الشـامي :
إن أبـاك قـد نهـى عنهـا
قـال عبـد الله :
أرأيـت إن كـان أبـي نهـى عنهـا ، وصنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أَمْــر أبـي يُتَّبَـع أم أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ !
فقـال الرجـل : بـل أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ 0
فقـال : لقـد صنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
{أخرجه الترمذي , وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه :
الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / ج : 5 / كتاب السنة / ص : 36 }
فعنـد مـا نناقـش مسـألة : سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :
نجـد أن هنـاك أحاديـث كثيـرة عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توجـب سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :
{ فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" لا يحــل لامــرأة تسـافر مسـيرة يـومٍ وليلـةٍ إلا مـع ذي محـرم عليهـا " متفق عليه ـ نيل الأوطار}
ثـم نجـد أثـر عـن بعـض أمهـات المؤمنيـن أنهـن سـافرن بـدون محـرم !!!!
فهـذا الأثـر مـن المتشـابهات التـي لا نعلــم مـا وراءهـا مـن حقائــق ، فـلا نتهـم أحـد بعـدم الاتبـاع .....
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المتشــابه:
- يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ فقـط : وهذا:
= مفـرد : الخفـاء ناشـئًا عـن :
- غرابتـه
- اشـتراكه أو
= مركـب : الخفـاء ناشـئًا عـن :
- اختصـاره
- بسـطه
- ترتيبـه
يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى فقـط : مثـل
- الغيبيـات
- وحقائـق الصفـات
- وغيـره
يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا
بأقسـامها الموضحـة
الحكمــة فــي تنــوع القــرآن إلـى محكـم ومتشــابه
====================================
====================================
لـو كـان القـرآن كلـه محكمًـا:
= لفاتـت الحكمـة مـن الاختبـار بـه تصديقًـا وعمـلاً لظهـور معنـاه ،
= وعـدم المجـال لتحريفــه والتمسـك بالمتشـابه ابتغــاء الفتنــة وابتغـاء تأويلـه ،
ولـو كـان كلُّـه متشـابهًا
= لفـات كونـه بيانـًا ، وهـدى للنـاس ،
= ولمـا أمكـن العمـل بـه ، وبنـاء العقيــدة السـليمة عليـه ،
ولكـن الله تعالـى بحكمتـه جعـل منه آيـات محكمـات ، يُرْجَـع إليهـن عنـد التشـابه ،
وأُخَـر مشـابهات امتحانًـا للعبـاد ؛ ليتبيـن صـادق الإيمـان ممـن فـي قلبــه زيـغ .
فـإن صـادق الإيمـان يعلـم أن القـرآن كلـه مـن عنـد الله تعالـى ، ومـا كـان مـن عنـد الله فهـو حــق ، ولا يمكـن أن يكـون فيـه باطـل ، أو تناقـض لقولـه تعالـى :
" لاَّ يَأْتِيِـه الْبَاطِـلُ مِـن بَيْـنِ يَدَيـهِ وَ لاَ مِـن خَلْفِـهِ تَنزِيـلٌ مِّـنْ حَكِيـمٍ حَمِيـدٍ "
( سورة فصلت / آية : 42 )
وأما مـن فـي قلبـه زيـغ فيتخـذ مـن المتشـابه سـبيلاً إلـى :
- تحريـف المحكـم
- واتبـاع الهـوى فـي التشـكيك فـي الأخبـار
- والاسـتكبار عـن الأحكـام ،
ولهـذا تجـد كثيـرًا مـن المنحرفيـن فـي العقائـد والأعمـال ، يحتجـون علـى انحرافهـم بهـذه الآيـات المتشـابهة .
{ تفسـير القـرآن الكريـم / سـورة البقـرة / ج : 1 / ص : 51 }
# ومـن حِكَـم تنـوع القـرآن إلـى محكـم ومتشـابه :
نقـل السـيوطي عـن الكرمانـي فـي غرائبـه أنه قـال :
" إن قيـل :
ما الحكمـة فـي إنـزال المتشـابه ممـن أراد لعبـاده البيـان والهـدى ؟
قلنـا :
إن كـان ( أي المتشـابه ) ممـا يمكـن علمـه فلـه فوائـد :
ـ منهـا الحـث للعلمـاء علـى النظـر الموجـب للعلـم بغوامضـه والبحـث عـن دقائقـه ، فـإن اسـتدعاء الهمـم لمعرفـة ذلـك مـن أعظـم القُـرَب .
ـ ومنهـا ظهــور التفاضــل وتفـاوت الدرجـات ؛ إذ لـو كـان محكمًـا لا يحتـاج إلـى تأويـل ونظــر لاسـتوت منـازل الخلـق ، ولـم يظهـر فضـل العالـم علـى غيـره.
وإنَ كـان ( أي المتشـابه ) ممـا لا يمكـن علمـه ( بـأن اسـتأثر الله بـه ) ، فلـه فوائـد :
ـ منهـا ابتـلاء العبـاد بالوقـوف عنـده
- والتوقـف فيـه
- والتفويـض والتسـليم ،
{ مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 319 }
# تســـاؤلات والـــرد عليهــا :
س : هـل كـل مـن يتبـع المتشـابه يُحْكَـم عليـه بأنـه فـي قلبـه زيـغ ؟ !
ج : لا .
ـ إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنـص المتشـابه ، فإنـه ليـس علـى سـبيل الإطـلاق يُحكـم عليـه بأنـه مـن الذيـن يوصفـون بـأن فـي قلوبهـم زيـغ ، فقـد يكـون " المتشـابه " عنـده " محكـم " وذلـك بعـد اجتهـاده وبحثـه وصدقـه فـي طلـب الحـق وفـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا أمـر يُوكَــل إلـى عَـلاَّم الغيـوب الـذي يعلـم مـا تخفـي الصـدور ، بـل قـد يكـون هـذا الشـخص عنـد الله مأجـورًا وإن أخطـأ!!!!
ـ وأمـا إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنــص المتشـابه ، تَرَخُّصًـا واتباعـًا للهـوى أو المصلحـة أو غيـر ذلـك ـ بينمـا أمامـه النصـوص المحكمــة واضحـة الدَّلالـة ، فهـذا علـى خطـر عظيـم ، والله أعلـم بحالـه ، وقـد يُعَـدّ ممـن يوصـف بأنـه فـي قلبـه زيـغ .
س : هـل المحكـم والمتشـابه يكـون فـي آيـات القـرآن الكريـم فقـط ؟ !
ج : لا .
المحكـم والمتشـابه قـد يكـون أيضًـا فـي الأحاديـث النبويـة :
# وأمثلـة ذلـك :
ـ نـوم ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ مـع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وزوجتـه في فـراش واحـد !!!
- فتتولـد شـبهة الاختـلاط ومـا إلـى ذلـك
- ثـم عنـد النظــر فـي الأحاديـث الـواردة فـي هـذا الأمـر نجـد أن هـذه الزوجـة هـي ميمونـة زوج النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـي خالـة ابـن عبـاس
- فيـزول الإشـكال
ـ تحديـث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ لأحـد الصحابـة بأمـر شـخصي !!!!
عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
{ قَبَّــلَ امـرأة مـن نسـائه ثـم خـرج إلـى الصـلاة ولـم يتوضـأ }
قـال عـروة : فقلـتُ لهـا : مـن هـي إلا أنـت ؟ .... فضحكـتْ .
{ صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / حديث رقم : 165}
هـذا المُـزَاح بيـن أم المؤمنيـن عائشـة ـ رضي الله عنها وهـذا الصحابـي يثيـر الشـبهات !!!!!!!
- نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم
- وذلـك بـأن نَكِـل حقائــق الأمــور إلـى الله ولا نشـك فـي الصحابـة ،
- ولا نشـك فـي النصـوص التـي تحـرم الاختـلاط
- وبالتتبـع وجـد أن : عـروة هـو عـروة بـن الزبيـر وهـو ابـن أختهـا
- فيـزول الإشـكال .
قاعـــدة :
ـ إذا كان لدينـا نصـوص محكمـة وأخـرى متشـابهة ، وليـس لدينـا وسـيلة أو أي أدوات للترجيـح ، فعلينـا أن نتهـم أنفسـنا بعـدم الإلمـام بكـل النصــوص الخاصـة بهـذه المسـألة ، وألا نحيـد عـن المحكـم فـي هـذه المسـألة إلـى المتشـابه فيهـا.
ـ وعنـد تعـارض قـول أو فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـع قـول أو فعـل غيـره ، فـلا يجـوز تـرك قـول أو فعـل النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأحـد كائنًـا مـن كـان ، سـواء كـان صاحبيًّـا جليـلاً أو عالمـًا جليـلاً 0 وهـذا هـو منهـج الصحابـة الكـرام.
* عـن صالـح بـن كيسـان عـن ابـن شـهاب أن سـالم بـن عبـد الله حدثـه أنـه سـمع رجـلاً مـن أهـل الشـام ، وهـو يسـأل عبـد الله بـن عمــر عـن التمتـع بالعمـرة إلـى الحـج ، فقـال عبـد الله ابـن عمـر :
هـي حـلال .. فقـال الشـامي :
إن أبـاك قـد نهـى عنهـا
قـال عبـد الله :
أرأيـت إن كـان أبـي نهـى عنهـا ، وصنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أَمْــر أبـي يُتَّبَـع أم أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ !
فقـال الرجـل : بـل أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ 0
فقـال : لقـد صنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
{أخرجه الترمذي , وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه :
الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / ج : 5 / كتاب السنة / ص : 36 }
فعنـد مـا نناقـش مسـألة : سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :
نجـد أن هنـاك أحاديـث كثيـرة عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توجـب سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :
{ فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" لا يحــل لامــرأة تسـافر مسـيرة يـومٍ وليلـةٍ إلا مـع ذي محـرم عليهـا " متفق عليه ـ نيل الأوطار}
ثـم نجـد أثـر عـن بعـض أمهـات المؤمنيـن أنهـن سـافرن بـدون محـرم !!!!
فهـذا الأثـر مـن المتشـابهات التـي لا نعلــم مـا وراءهـا مـن حقائــق ، فـلا نتهـم أحـد بعـدم الاتبـاع .....
- فهـذا فعـل صحابـه واجتهادهـم وهـم غيـر معصوميـن
- ولا نعلـم حقيقـة الأمـر ولا حجتهـم ،
- ونَكِـلُ أمـرَ الحكـم علـى فعلِهـم إلـى اللهِ ،
- وأما بالنسـبة لمـن بلغـه الأحاديـث الـواردة فـي تحريـم سـفر المـرأة بـدون محـرم ،
- وهـي نصـوص محكمـة وفـي أعلـى مراتـب الصحـة ،
- فعليـه تـرك العمـل بهـذه الآثــار المتشـابهة ، واتبـاع النصـوص المحكمـة ،
- ولا يحيـد عـن المحكـم إلـى المتشـابه .
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.