مقدمــــة
إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله مـن شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا هـادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله.
" يـَا أَيُّهَـا الَّذيِـنَ آمَنُـوا اتَّقُـوا اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـه وَلا تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنَتُـم مُّسْـلِمُونَ "
{سورة آل عمران / آية : 102}
" يـَا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـوا رَبَّكُــمُ الَّـذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيـرًا وَنِسَـاءً وَاتَّقُـوا اللهَ الَّـذِي تَسَـاءَلُونَ بِـه وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـًا "
{سورة النساء / آية : 1 }
" يـَا أَيُّهـَا الَّذِيــنَ آمَنـُـوا اتَّقُـوا اللهَ وَقُولُـوا قَــولاً سَـدِيدًا يُصلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـم وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوزًا عَظِيمـًا "
أمــا بعـــد :
فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـدي هــديُ محمـدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا ، وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ، وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـار .
ثــم أمــا بعــد.........
وقـت الإنسـان هـو عمـره فـي الحقيقـة ، ومـادة حياتـه الأبديـة فـي النعيـم المقيـم ، وهـو يمـر أسـرع مـن السـحاب ، فمـا كـان مـن وقتـه وعملـه لله (1) ، وبالله (2) ، وفـي الله (3) ، فيكـون عملـه خالصـًا موافقـًا لشـريعة الله علـى وجـه الاسـتعانة بـه سـبحانه فهـو حياتـه وعمـره ، ومـا كـان غيـر ذلـك فليـس محسـوبًا مـن حياتـه وإن عـاش طويـلاً فهـو يعيـش عيشـة البهائـم .
• قـال ابـن القيـم فـي فوائـد الفوائـد / المبحـث العاشـر : فـي أعمـاق النفـس / ( 1 ) فصـل : كيـف تصلـح حالـك / ص : 323 :
" ... وذلـك أنـك فـي وقـتٍ بيـن وقتيـن ، وهـو فـي الحقيقـة عمـرُك ، وهـو وقتـك الحاضـرُ بيـن مـا مضـى ومـا تسـتقبل ، فالـذي مضـى تصلحُـهُ بالتوبـة والنـدم والاسـتغفار ، وذلـك شـيء لا تعـب عليـك فيـه ولا نصـب ولا معانـاةَ عمـلٍ شـاق ، إنمـا هـو عمـلُ القلـب ، وتمتنـعُ فيمـا تسـتقبلُ مـن الذنـوب ، وامتناعـك تـركٌ وراحـةٌ ، ليـس هـو عمـلاً بالجـوارح يشـق عليـك معاناتُـه ، وإنمـا هـو عـزم ونيـة جازمـة ..." .
( 1 ) لله ---> المراد به الإخلاص ، أي إخلاص العمل لله
( 2 ) بالله ---> المراد به الاستعانة به سبحانه ، فلا يعتد بنفسه ولا يعتمد عليها وإنما يستعين بالله
( 3 ) في الله ---> أي في شرعه ، فلا يتجاوز الشرع ، ولا يبتدع في دين الله ما ليس منه
شرح القواعد المثلى / ص : 322
وقـال ابـن القيـم فـي فوائـد الفوائـد / المبحـث العاشـر ... / ( 9 ) فصـل : جمـع الهمـم علـى الله وحـده / ص : 337 :
علامـة صحـة الإرادة أن يكـونَ هـمُّ المريـدِ رضـا ربـه ، واسـتعدادَهُ للقائـه ، وحُزنَـهُ علـى وقـتٍ مـرَّ فـي غيـر مرضاتـه ، وأسـفَه علـى [ فـوْتِ ] قُربـهِ والأنـسِ بـه .وجُمَّـاعُ ذلـك : أن يصبـحَ ويمسـي وليـس لـه هـمٌّ غيـرَه .
(ا .هـ ).
•ويقـول ابـن القيـم ـ رحمه الله ـ :
كـل نَفَـسٍ أو كـل عـرَقٍ سـيخرج فـي الدنيـا فـي غيـر طاعـة الله أو فائـدة فـي الحيـاة ـ [ تعيـن علـى حسـنة ] ـ (2) سـيخرج يـوم القيامـة حسـرة وندامـة .
( 2 ) ما بين المعكوفتين تصرف
ا . هـ .
ويقـول عمـار بـن رجـاء : سـمعت عبيـد بـن يعيـش " شـيخ البخـاري ومسـلم " يقـول :
" أقمـتُ ثلاثيـن سـنة مـا أكلـتُ بيـدي بالليـل ، كانـت أختـي تُلَقِّمُنـي وأنـا أكتـب الحديـث " .
ا .هـ .
عندمـا يخلـص الإنسـان لربـه وخالقـه ويشـتغل بكـل دقيقـة مـن وقتـه وعمـره فـي طاعـة ربـه يُبـارك الله لـه فـي عمـره وإن كـان قصيـرًا ، والرجـال لا يقاسـون بطـول أعمارهـم ، وإنمـا يقاسـون بأعمالهـم ، والله عـز وجـل تعبدنـا بحسـن الأعمـال وذلـك فـي مقدورنـا وفـي إمكاننـا بـإذن ربنـا ، ولـم يتعبدنـا بطـول أعمارنـا فـإن ذلـك ليـس بمقدورنـا ولا بإرادتنـا .
فالإنسـان الـذي يعـرف حـق وقتِـه وقيمتـه ينبغـي عليـه أن يعمِّـر وقتَـه بالخيـرات ما اسـتطاع إلـى ذلـك سـبيلاً ويسـارع فيهـا ، فكلمـا
تيسـر إليـه خيـر بـادر إليـه تطبيقـًا للآيـة :
قـال الله تعالـى :
" .... وَعَجِلْـتُ إِلَيْـكَ رَبِّ لِتَرْضَـى " . سورة طه / آية : 84 .
وللحديـث :
احـرص علـى ما ينفعـك .
* فعـن أبـي هريــرة قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" المؤمـن القـوي خيـر مـن المؤمـن الضعيـف وفـي كـل خيـر ، احـرِص علـى مـا ينفعــك واسـتعن بالله ولا تعجِــز ، وإن أصابـك شـيء فـلا تقـل : لـو أنـي فعلـتُ كـان كـذا وكـذا ، ولكـن قـل : قَـدَرُ الله ، ومـا شـاء فعـل ، فـإن لـو تفتـح عمـلَ الشـيطانِ " .
{ صحيح مسلم . متون / ( 46 ) ـ كتاب : القدر/ ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة وترك العجز ، .. / حديث رقم :34 ـ (2664) / ص : 677 .
والمـراد بالقـوة هنـا عزيمـة النفـس والقريحـة فـي أمـور الآخـرة .
احـرِص علـى مـا ينفعـك .... ولا تعجِـز : احـرص علـى طاعـة الله تعالـى والرغبـة فيمـا عنـده ، واطلـب الإعانـة مـن الله تعالـى علـى ذلـك ، ( ولا تعجِـز ) ولا تكسـل عـن طلـب الطاعـة ولا عـن طلـب الإعانـة .
صحيح مسلم شرح النووي / ج : 16 / ( 46 ) ـ كتاب : القدر / ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة و ... / ص : 329.
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
* " افعلـوا الخيـرَ دهركـم ، وتعرضـوا لنفحـاتِ رحمـة الله ، فـإن لله نفحـاتٍ مـن رحمتـه ، يصيـب بهـا مـن يشـاء مـن عبـاده ، وسـلوا الله أن يسـتر عوراتِكـم ، وأن يؤمِّـن رَوعاتِكـم " .
أخرجه الطبراني في الكبير . وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في سلسلة الأحاديث الصحيحة /
ج : 4 / حديث رقم : 1890 / ص : 511 .
إن مـن رحمـة الله بعبـاده وإكرامـه لهم سـبحانه أن هيـأ لهـم فرصـًا وأوقاتـًا خصهـا بالأجـر الوفيـر ، أوقـات فاضلـة . فكمـا فضـل سـبحانه بعـض الأماكـن علـى بعـض ، كذلـك فضـل الأزمنـة علـى بعـض .
فلقـد فضـل سـبحانه مـن الشـهور " شـهر رمضـان " الـذي أنـزل فيـه القـرآن وجعـل لمـن فـاز بصيامـه وقيامـه إيمانـًا واحتسـابًا الجائـزة العظيمـة وهـي غفـران مـا تقـدم مـن الذنـب ، ونفـس الجائـزة لمـن فـاز بليلـة القـدر بـأن قامهـا إيمانـًا واحتسـابًا .
وفضـل سـبحانه مـن أيـام العـام : " أيـام العشـر مـن ذي الحجـة " .
وخـص فيهـا يـوم عرفـة بجائـزة عظيمـة لمـن فـاز بصيامـه .
* قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" أفضـل أيـام الدنيـا أيـام العشـر " .
رواه البزار عن جابر . صححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في : صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 1133 / ص : 253 .
أيـام العشـر : أي عشـر ذي الحجـة .
فيـض القديـر ... / ج : 2 / ص : 71 .
وهكـذا هـذا على سـبيل المثـال لا الحصـر . فلنتحـر الأوقـات الفاضلـة ليربـو عملُنـا ولتغْفـر ذنوبُنَـا ، ولنفـوز بجنـة ربِّنـا .
ولـذا كـان العـزم علـى تجميـع بحـث صغيـر ليكـون إعانـة لنـا علـى معرفـة حقيقـة أعمارنـا ، ومـا يجـب علينـا تجاههـا ، ووسِـمَ هـذا البحـث بـ :
فضلا تابعونا على الرابط التالي لتحميل الملف كاملاً:
http://www.scribd.com/doc/74850655/71868176-%D8%A3%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%86%D8%A7-copy
بوركتم وجزاكم الله خيرًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.