حوادث التفجير في ميزان الإسلام
إنَّ حوادث التفجير التي يمارسها بين فينة وأخرى بعض المتطرفين من أصحاب الأفكار الضالة تُعدُّ عملاً إجراميًّا، ونوعاً من البغي والعدوان، وضرباً من الفساد في الأرض، وأمراً مخالفاً للدِّين الإسلامي الحنيف في غاياته الرشيدة وأحكامه السديدة وآدابه الحميدة.
وفيما يلي عرضٌ لجانب من أدلَّة الشريعة الدَّالَّة على فساد هذا العمل وعظَم هذا الجُرم، وبيان حال هذه الجريمة وحكمها في ميزان الإسلام.
1 ـ في الإسلام أمرٌ بالعدل والإحسان والرحمة، ونهي عن المنكر والبغي، كما قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))[النحل: 90]، وهذا العمل الإجرامي لا عدل فيه ولا إحسان ولا رحمة، بل هو منكر من الفعل وبغيٌ في العمل.
2 ـ وفي الإسلام تحريم للعدوان ونهي عن الظلم، كما قال تعالى: (( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) [البقرة: 190]، وفي الحديث القدسي: (( يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالَموا ))، وهذا العمل قائمٌ على العدوان، مبنيٌّ على الظلم.
3 ـ وفي الإسلام تحريمٌ للفساد في الأرض، كما قال تعالى: ((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ )) [البقرة: 205]، وقال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) [البقرة: 11]، وهذا العمل نوعٌ من الفساد في الأرض، بل هو من أشدِّ ذلك وأنكاه.
4 ـ ومن قواعد الإسلام العظيمة (( دفع الضرر ))، ومن شواهد ذلك في السنَّة قول النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم: (( لا ضرر ولا ضرار )) روي عن غير واحد من الصحابة مرفوعاً، وروى أبو داود وغيره عن أبي صرمة صاحب النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( من ضارَّ أضرَّ الله به، ومن شاق شقَّ الله عليه )) وفي سنده كلام، لكن معناه صحيح؛ فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل، وكما يدين المرء يُدان، فلا يحلُّ لمسلم أن يضارَّ مسلماً لا في قول ولا فعل، وفعلة هؤلاء قائمة على أعظم الضر وأفضع الإضرار.
5 ـ ومن قواعد الإسلام العظيمة جلب المصالح ودرء المفاسد، وعمل هؤلاء لا مصلحة فيه ولا منفعة، ومفاسدُه لا حصر لها.
6 ـ وفي الإسلام تحريم لقتل النفس (( الانتحار ))، قال الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[النساء: 29-30]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سُمَّا فقتل نفسَه فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسَه بحديدة فحديدتُه في يده يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً ))، وهؤلاء قتلوا أنفسهم في هذه الجريمة النَّكراء.
7 ـ وفي الإسلام تحريم لقتل الأنفس المسلمة المعصومة بغير حقٍّ، قال الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ))[الإسراء: 33] ، وقال في أوصاف المؤمنين عبادِ الرحمن: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )) [الفرقان: 68-69]، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد ان لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ))، وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( لزوال الدنيا أهونُ عند الله مِن قتل رجل مسلم ))، وكم من مسلم قُتل في هذه الجريمة.
8 ـ وجاء الإسلام بالرحمة، وأنَّ من لا يرحم لا يُرحَم، وأنَّ الراحمين يرحمهم الرحمن، وفي هذا المعنى أحاديث عديدة، وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تُتزَع الرحمة إلاَّ من شقيٍّ ))، بل إنَّها رحمةٌ شملت حتى البهائم والدواب، روى البخاري في الأدب المفرد عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( من رحم ولو ذبيحة رحمه الله يوم القيامة ))، ورَوَى أيضاً أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنِّي لأذبحُ الشاةَ فأرحمها، قال صلى الله عليه و سلم: (( والشاةُ إن رحمتَها رحمَك الله ))، وغُفر لرجل بسبب رحمته لكلب رآه يأكل الثرى من شدَّة العطش، فنزل بئراً فملأ خفَّه ثم أمسكها بفيه، فسقى الكلبَ فشكر الله له، فغفر له، والحديث في الصحيحين، وروى أبو داود وغيرُه عن ابن مسعود رضي الله عنه: (( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم نزل منزلاً فأخذ رجلٌ بيضَ حُمَّرة فجاءت ترفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: أيُّكم فجع هذه بيضتها فقال رجل: يا رسول الله، أنا أخذت بيضتها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم: اردُده، رحمة لها )).
فانظر إلى هذه الرحمة العظيمة التي دعا إليها الإسلام، ثم تأمًَّل ما قام به منفِّذوا هذه الجرائم؛ أطفال يُتِّموا، ونساء رملت، وأرواح أزهقت، وقلوب روعت، وأموال أُتلفت، فأين رحمةُ الإسلام لو كان يعقلون.
9 ـ وفي الإسلام نهيٌ عن ترويع المؤمنين وإرعاب المسلمين، ففي سنن أبي داود عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلماً ))، وكم من مسلم رُوِّع وفَزِعَ وفُجِعَ تلك الليلة.
10 ـ وفي الإسلام نهيٌ عن حمل السلاح على المؤمنين، ففي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( مَن حمل علينا السلاحَ فليس منَّا ))، وفي الصحيحين عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( إذا مرَّ أحدُكم في مسجدنا أو سوقنا بنَبل فليُمسك على أنصالها، لا يُصيب أحداً من المسلمين أذى ))، وفي هذه الجريمة إلقاء للمتفجِّرات المهلكة والأسلحة المُدمِّرة في أوساط المسلمين وداخل مساكنهم.
11 ـ جاء في الإسلام النهي عن الإشارة إلى المسلم بسلاح أو نحوه، سواء كان جادًّا أو مازحاً، وعن تعاطي السيف مسلولاً حفظاً للناس وتحقيقاً للسلامة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( لا يُشر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح، فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حُفرة من النار ))، وفي رواية لمسلم: (( مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكةَ تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه ))، وفي أبي داود والترمذي وقال: (( حديث حسن )) عن جابر رضي الله عنه قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يُتعاطى السيف مسلولاً ))، وكلُّ ذلك من باب المحافظة؛ لئلاَّ يقع إضرارٌ غير مقصود، وتأمَّل الوعيد: (( فيقع في حُفرة من النار ))، (( فإنَّ الملائكةَ تلعنه ))، فكيف إذاً بمثل هذه الجرائم الشنيعة، والإضرار المتعمد.
12 ـ وفي الإسلام تحريمٌ للخيانة والغدر، قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )) [الأنفال: 58 ]، وقال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا )) [النساء: 107]، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدر غدرته ))، وفي البخاري عن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لكلِّ غادر لواءٌ يُنصَب بغدرته ))، وفي حديث بُريدة في صحيح مسلم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمثِّلوا ))، وما أعظمَ الغدر الذي قام به هؤلاء، وما أشدَّ خيانتهم.
13 ـ وفي الإسلام تحريمٌ لقتل الصبيان والنساء والشيوخ الكبار، ففي حديث بُريدة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( ولا تقتلوا وليداً )) [رواه مسلم] ، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (( أنَّ امرأةً وُجدت مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل النساء والصبيان ))، وفي سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملَّة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانيًا ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ))، وفي هذه الجريمة لم يُفرَّق بين صغير وكبير، ولا ذكَر وأنثى، بل ذهب ضحيَّتها من الكبار والنساء والأطفال.
14 ـ وفي الإسلام حفظٌ للمواثيق والعهود، وتحريمٌ لقتل المعاهَدين والمستأمَنين، قال الله تعالى: (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ))[الإسراء: 34] ، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ))[المائدة: 1]، وفي البخاري عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قال: (( مَن قتل معاهَداً لَم يرح رائحةَ الجنَّة، وإنَّ ريحَها لتوجَد من مسيرة أربعين سنة ))، وفي النسائي عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( مَن أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريءٌ من القاتل، وإن كان المقتولُ كافراً ))، ومَن دخل من الكفار ديار المسلمين بعقد أمان أو بعهد من وليِّ الأمور لا يجوز الاعتداء عليه، لا في نفسه ولا في ماله، وأهل الإسلام ذمَّتهم واحدة كما قال صلى الله عليه و سلم: (( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمَّتهم أدناهم ))، وهؤلاء المعتدون لم يُراعوا ذمَم المسلمين، ولم يحفظوا المواثيق والعهود، وقتلوا المعاهدين والمستأمنين.
15 ـ وفي الإسلام تحريمُ الاعتداء على الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، ففي الصحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( إنَّ دماءَكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ))، وهؤلاء الجُناة المعتدون كم دمَّروا من المباني والمساكن، وكم أتلفوا من الأموال والممتلكات.
16 ـ ونهى النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم عن رمي الناس ليلاً حالَ هجعتهم وسكونهم وراحتهم وتوعَّد فاعله، ففي المسند بإسناد صحيح عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( مَن رمانا بالليل فليس منَّا ))، وهؤلاء تخيَّروا جنح الليل لتنفيذ جريمتهم النَّكراء وفعلتهم الشنعاء.
وعلى كلٍّ، فإنَّ كلَّ مَن عرف الإسلامَ بأُسسه العظيمة وقواعده المتينة، وتوجيهاته الحكيمة يُدرك تمام الإدراك ويعلم علم اليقين مفارقة هذه الأعمال الإجرامية لهذا الدِّين، وأنَّها محرَّمةٌ في الشريعة لا يُقرُّها الدِّين الإسلامي الحنيف، ولا يجوز أن تُنسَب هذه الأعمالُ الإجرامية إلى الدِّين، أو أن تُلصق بالمتديِّنين.
وأسأل الله أن يُوفِّقنا وجميع المسلمين لكلِّ خير، وأن يهدينا سواء السبيل، ونعوذ به سبحانه من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأسأله سبحانه أن يحفظ على المسلمين أمنَهم وإيمانهم، وأن يصرف عنهم الشرورَ والفتنَ بمنِّه وكرمه، إنَّه سميعٌ مجيب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طباعة المقال - أرسل المقال لصديقوفيما يلي عرضٌ لجانب من أدلَّة الشريعة الدَّالَّة على فساد هذا العمل وعظَم هذا الجُرم، وبيان حال هذه الجريمة وحكمها في ميزان الإسلام.
1 ـ في الإسلام أمرٌ بالعدل والإحسان والرحمة، ونهي عن المنكر والبغي، كما قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))[النحل: 90]، وهذا العمل الإجرامي لا عدل فيه ولا إحسان ولا رحمة، بل هو منكر من الفعل وبغيٌ في العمل.
2 ـ وفي الإسلام تحريم للعدوان ونهي عن الظلم، كما قال تعالى: (( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) [البقرة: 190]، وفي الحديث القدسي: (( يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالَموا ))، وهذا العمل قائمٌ على العدوان، مبنيٌّ على الظلم.
3 ـ وفي الإسلام تحريمٌ للفساد في الأرض، كما قال تعالى: ((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ )) [البقرة: 205]، وقال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) [البقرة: 11]، وهذا العمل نوعٌ من الفساد في الأرض، بل هو من أشدِّ ذلك وأنكاه.
4 ـ ومن قواعد الإسلام العظيمة (( دفع الضرر ))، ومن شواهد ذلك في السنَّة قول النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم: (( لا ضرر ولا ضرار )) روي عن غير واحد من الصحابة مرفوعاً، وروى أبو داود وغيره عن أبي صرمة صاحب النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( من ضارَّ أضرَّ الله به، ومن شاق شقَّ الله عليه )) وفي سنده كلام، لكن معناه صحيح؛ فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل، وكما يدين المرء يُدان، فلا يحلُّ لمسلم أن يضارَّ مسلماً لا في قول ولا فعل، وفعلة هؤلاء قائمة على أعظم الضر وأفضع الإضرار.
5 ـ ومن قواعد الإسلام العظيمة جلب المصالح ودرء المفاسد، وعمل هؤلاء لا مصلحة فيه ولا منفعة، ومفاسدُه لا حصر لها.
6 ـ وفي الإسلام تحريم لقتل النفس (( الانتحار ))، قال الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[النساء: 29-30]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سُمَّا فقتل نفسَه فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسَه بحديدة فحديدتُه في يده يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها أبداً ))، وهؤلاء قتلوا أنفسهم في هذه الجريمة النَّكراء.
7 ـ وفي الإسلام تحريم لقتل الأنفس المسلمة المعصومة بغير حقٍّ، قال الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ))[الإسراء: 33] ، وقال في أوصاف المؤمنين عبادِ الرحمن: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )) [الفرقان: 68-69]، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد ان لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ))، وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( لزوال الدنيا أهونُ عند الله مِن قتل رجل مسلم ))، وكم من مسلم قُتل في هذه الجريمة.
8 ـ وجاء الإسلام بالرحمة، وأنَّ من لا يرحم لا يُرحَم، وأنَّ الراحمين يرحمهم الرحمن، وفي هذا المعنى أحاديث عديدة، وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تُتزَع الرحمة إلاَّ من شقيٍّ ))، بل إنَّها رحمةٌ شملت حتى البهائم والدواب، روى البخاري في الأدب المفرد عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( من رحم ولو ذبيحة رحمه الله يوم القيامة ))، ورَوَى أيضاً أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنِّي لأذبحُ الشاةَ فأرحمها، قال صلى الله عليه و سلم: (( والشاةُ إن رحمتَها رحمَك الله ))، وغُفر لرجل بسبب رحمته لكلب رآه يأكل الثرى من شدَّة العطش، فنزل بئراً فملأ خفَّه ثم أمسكها بفيه، فسقى الكلبَ فشكر الله له، فغفر له، والحديث في الصحيحين، وروى أبو داود وغيرُه عن ابن مسعود رضي الله عنه: (( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم نزل منزلاً فأخذ رجلٌ بيضَ حُمَّرة فجاءت ترفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: أيُّكم فجع هذه بيضتها فقال رجل: يا رسول الله، أنا أخذت بيضتها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم: اردُده، رحمة لها )).
فانظر إلى هذه الرحمة العظيمة التي دعا إليها الإسلام، ثم تأمًَّل ما قام به منفِّذوا هذه الجرائم؛ أطفال يُتِّموا، ونساء رملت، وأرواح أزهقت، وقلوب روعت، وأموال أُتلفت، فأين رحمةُ الإسلام لو كان يعقلون.
9 ـ وفي الإسلام نهيٌ عن ترويع المؤمنين وإرعاب المسلمين، ففي سنن أبي داود عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلماً ))، وكم من مسلم رُوِّع وفَزِعَ وفُجِعَ تلك الليلة.
10 ـ وفي الإسلام نهيٌ عن حمل السلاح على المؤمنين، ففي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( مَن حمل علينا السلاحَ فليس منَّا ))، وفي الصحيحين عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( إذا مرَّ أحدُكم في مسجدنا أو سوقنا بنَبل فليُمسك على أنصالها، لا يُصيب أحداً من المسلمين أذى ))، وفي هذه الجريمة إلقاء للمتفجِّرات المهلكة والأسلحة المُدمِّرة في أوساط المسلمين وداخل مساكنهم.
11 ـ جاء في الإسلام النهي عن الإشارة إلى المسلم بسلاح أو نحوه، سواء كان جادًّا أو مازحاً، وعن تعاطي السيف مسلولاً حفظاً للناس وتحقيقاً للسلامة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( لا يُشر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح، فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حُفرة من النار ))، وفي رواية لمسلم: (( مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكةَ تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه ))، وفي أبي داود والترمذي وقال: (( حديث حسن )) عن جابر رضي الله عنه قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يُتعاطى السيف مسلولاً ))، وكلُّ ذلك من باب المحافظة؛ لئلاَّ يقع إضرارٌ غير مقصود، وتأمَّل الوعيد: (( فيقع في حُفرة من النار ))، (( فإنَّ الملائكةَ تلعنه ))، فكيف إذاً بمثل هذه الجرائم الشنيعة، والإضرار المتعمد.
12 ـ وفي الإسلام تحريمٌ للخيانة والغدر، قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )) [الأنفال: 58 ]، وقال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا )) [النساء: 107]، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدر غدرته ))، وفي البخاري عن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( لكلِّ غادر لواءٌ يُنصَب بغدرته ))، وفي حديث بُريدة في صحيح مسلم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمثِّلوا ))، وما أعظمَ الغدر الذي قام به هؤلاء، وما أشدَّ خيانتهم.
13 ـ وفي الإسلام تحريمٌ لقتل الصبيان والنساء والشيوخ الكبار، ففي حديث بُريدة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( ولا تقتلوا وليداً )) [رواه مسلم] ، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: (( أنَّ امرأةً وُجدت مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل النساء والصبيان ))، وفي سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملَّة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانيًا ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ))، وفي هذه الجريمة لم يُفرَّق بين صغير وكبير، ولا ذكَر وأنثى، بل ذهب ضحيَّتها من الكبار والنساء والأطفال.
14 ـ وفي الإسلام حفظٌ للمواثيق والعهود، وتحريمٌ لقتل المعاهَدين والمستأمَنين، قال الله تعالى: (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ))[الإسراء: 34] ، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ))[المائدة: 1]، وفي البخاري عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قال: (( مَن قتل معاهَداً لَم يرح رائحةَ الجنَّة، وإنَّ ريحَها لتوجَد من مسيرة أربعين سنة ))، وفي النسائي عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( مَن أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريءٌ من القاتل، وإن كان المقتولُ كافراً ))، ومَن دخل من الكفار ديار المسلمين بعقد أمان أو بعهد من وليِّ الأمور لا يجوز الاعتداء عليه، لا في نفسه ولا في ماله، وأهل الإسلام ذمَّتهم واحدة كما قال صلى الله عليه و سلم: (( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمَّتهم أدناهم ))، وهؤلاء المعتدون لم يُراعوا ذمَم المسلمين، ولم يحفظوا المواثيق والعهود، وقتلوا المعاهدين والمستأمنين.
15 ـ وفي الإسلام تحريمُ الاعتداء على الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، ففي الصحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: (( إنَّ دماءَكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ))، وهؤلاء الجُناة المعتدون كم دمَّروا من المباني والمساكن، وكم أتلفوا من الأموال والممتلكات.
16 ـ ونهى النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم عن رمي الناس ليلاً حالَ هجعتهم وسكونهم وراحتهم وتوعَّد فاعله، ففي المسند بإسناد صحيح عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قال: (( مَن رمانا بالليل فليس منَّا ))، وهؤلاء تخيَّروا جنح الليل لتنفيذ جريمتهم النَّكراء وفعلتهم الشنعاء.
وعلى كلٍّ، فإنَّ كلَّ مَن عرف الإسلامَ بأُسسه العظيمة وقواعده المتينة، وتوجيهاته الحكيمة يُدرك تمام الإدراك ويعلم علم اليقين مفارقة هذه الأعمال الإجرامية لهذا الدِّين، وأنَّها محرَّمةٌ في الشريعة لا يُقرُّها الدِّين الإسلامي الحنيف، ولا يجوز أن تُنسَب هذه الأعمالُ الإجرامية إلى الدِّين، أو أن تُلصق بالمتديِّنين.
وأسأل الله أن يُوفِّقنا وجميع المسلمين لكلِّ خير، وأن يهدينا سواء السبيل، ونعوذ به سبحانه من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأسأله سبحانه أن يحفظ على المسلمين أمنَهم وإيمانهم، وأن يصرف عنهم الشرورَ والفتنَ بمنِّه وكرمه، إنَّه سميعٌ مجيب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.